عاش العمال فى عيدهم الثانى بعد ثورة 25 يناير 2011 وسط حالة من القلق
والضيق والإحباط، وذلك لعدم تحقيق أى تقدم فى مسيرة حياة الطبقة الكادحة
فى مصر، على الرغم من مرور نحو 15 شهرا على خلع مبارك دون إسقاط نظامه حتى
الآن. فما زال العمال يهتفون نفس هتافاتهم فى عيد العمال السابق فى عام
2011، بعد ثلاثة أشهر من خلع مبارك، وكذلك نفس هتافاتهم يوم أول مايو
2010، حيث كنا معا واستطعنا اقتحام ميدان التحرير للمرة الأولى يوم
الإثنين 3 مايو، بحضور نحو خمسة آلاف من كل فئات المجتمع، احتفالا بعيد
العمال وبمشاركتهم. وقد شاركتُ العمال هتافاتهم ووقفاتهم الاحتجاجية
ورفعتُ معهم الدعاوى القضائية لاسترداد الشركات المنهوبة، وفى مقدمتها «عمر
أفندى» وغيرها، ورفعت معهم الدعاوى القضائية لتحديد الحد الأدنى للأجور
وحصلنا على حكم من مجلس الدولة بتحديد 1200 جنيه حدا أدنى للأجور منذ ثلاث
سنوات فى ظل حكم مبارك. وحصلنا على حكم بوقف تصدير الغاز لإسرائيل، وغيرها
من الأحكام القضائية التى تنهال علينا من فيض الكريم، وما تبقى من
استقلال القضاء، حيث كان الحكم السابق الفاسد بزعامة حسنى مبارك المخلوع
الآن، يرتكب كل يوم الخطايا فى حق العمال وهم رأسمال مصر:
1- فقد انتهج سياسة الخصخصة للشركات العامة ملك الشعب المصرى، فباعها
بأبخس الأثمان وتظاهر بأنه يضع قيودا وشروطا منها الحفاظ على العمالة
وحقوق العمال فى كل شركة مبيعة، وثبت كذب ذلك وانفتح باب المعاش المبكر
ليسهم فى طرد العمال وفصلهم بأبشع الطرق، وقد لعب أمن الدولة دورا حقيرا
فى التنكيل بالعمال الرافضين للمعاش المبكر بعد زغللة عيون العمال الغلابة
بعدة آلاف من الجنيهات، لينضموا إلى طابور البطالة، وتفقد معها مصر أغلى
الأيادى الشريفة المنتجة للوطن والشعب، حيث مورست مع العمال أبشع أنواع
التهديد والتعذيب حتى يتم إجبارهم على ترك الشركات وإفلاسها لبيعها فى شكل
أراضٍ تدر المليارات على المشترين من أعضاء مافيا الفساد فى الحزب الوطنى
وعصابة الوريث!
2- التفريط فى حقوق العمال فى الحدود الدنيا، وهى ضمان عقود العمال عند
التعاقد لصالح أصحاب رؤوس الأموال «القطاع الخاص»، الذين كانوا يصرون على
عدم توفير أى حماية لحقوقهم، فعند التعاقد يتم إجبار العامل على التوقيع
بخط يده على خطاب استقالة أو استمارة «6»، المعروفة بهذا الاسم لدى
العمال، أى يقوم العامل بالتوقيع على طرده قبل تعيينه، لإهدار جميع حقوقه
إذا ما ارتفع صوته مطالبا بها فى أى وقت، وكانت الحكومة تدعم القطاع
الخاص، وتجبر بأجهزة القوة، خصوصا أمن الدولة على إخضاع العاملين
وإذلالهم، الأمر الذى خلق مناخا غير صحى ضد العمال وإهدار حقوقهم! فهل بعد
ذلك نتوقع عطاء حقيقيا للعمال، عكس ما كان سائدا فى الستينيات من القرن
العشرين، فضلا عن التفريط فى عدد الساعات المخصصة للعمل «7 ساعات»، فأصبحت
الشركات تحدد الساعات بعشر واثنتى عشرة ساعة يوميا!! بخلاف الأرباح
ونسبها وتوزيعها على العمال.. إلخ، الأمور التى أسهمت الحكومات المختلفة فى
عهد مبارك فى إهدار حقوق العمال بشأنها.
3- تدمير النقابات العمالية وتزوير انتخاباتها وإبعاد القيادات الفعالة
وتكوين اتحاد العمال الذى أسهم فى تمكين الخاص على العام وإهدار حقوق
العمال وانتشار الفساد فى جميع النقابات وداخل الاتحاد العام نفسه
ومؤسساته التابعة، وأصبح الاتحاد العام ونقاباته الفرعية لسان حال النظام
الحاكم وحزبه الوطنى وليس لسان حال عمال مصر الحقيقيين، الأمر الذى أسهم
فى إهدار حقوق العمال بعد أن كانوا ينتخبون ممثليهم فى مجالس الإدارات،
والنقابات والاتحاد العام بإراداتهم الحرة!!
والسؤال هنا: ما الذى تغير من هذا بعد الثورة؟!
فى تقديرى، إجمالا، لا شىء قد تغير، فالعمال الثوريون ما زالوا
يناضلون، ولم يرفعوا راية الاستسلام من أجل الحد الأدنى للأجور، وعلاقات
العمل السليمة ونقابات فعالة واتحاد عمال يمتلك زمام أمره وإرادته وليس
ظلا للحكومة، وما زال هؤلاء يطالبون بتحسين أوضاع معيشتهم، ووضع الحد
الأقصى للأجور مثل الحد الأدنى لتستقيم الأمور بنسبة «1: 15» على الأكثر.
ويتساءل الجميع: من يدفع فاتورة الثورة عادة؟! فالرأى عندى وتحدثت فيه
كثيرا أن الأغنياء واللصوص من رجال أعمال حقيقيين أو وهميين عليهم أن
يدفعوا الثمن برضاهم أو بغير رضاهم، وأن الغلابة من الشعب المصرى له أن
يجنى ثمار عرقه وتعبه وثورته بتحسين أوضاع معيشته واسترداد حقوقه الثابتة
والمستقرة فى كل الوثائق الدولية.
إننى أنتمى إلى دائرة شبرا الخيمة العمالية وقد تشرفت بأن أمثلها فى
البرلمان لمدة 5 سنوات من الكفاح «2005-2010» وناضلت مع العمال فى الدائرة
وخارجها، وشاركتهم اعتصاماتهم حتى استطعنا استرداد بعض الحقوق قدر الضغط
الذى كنا نبذله، وقد أشعر بسعادة بالغة وسط هؤلاء العمال، وكنت دائم
الزيارة لهم فى كل المصانع وكنتُ أشجع القطاع الخاص المنتِج مثل القطاع
العام شريطة الالتزام بتحقيق حقوق العمال، وقد ساندتُ عمال المحلة وحلوان
وكفر الدوار مثل عمال شبرا الخيمة والقليوبية تماما، فقضية العمال عندى
واحدة مثل قضايا الفلاحين لا يمكن إنكارها، فهى حقوق الغالبية من الشعب
المصرى، ولذلك فإن الثورة الحقيقية التى قامت فى 25 يناير، جاءت لكى تسترد
حقوق العمال ووضعهم ومكانتهم وتعيد علاقات العمل إلى الطريق السليم، كما
أن الثورة مطالبة بحماية العمال من تعسف أصحاب رؤوس الأموال وضمان عدم
فصلهم وتوقيع العقوبات على أى صاحب شركة يجبر عاملا على كتابة استقالته أو
إقالته قبل أن يتسلم العمل، نريد رأسمالية وطنية حقيقية وليست مستغلة، كما
نريد عمال مصر الجادين الذين يحمون الثورة كما حمتهم، وأن وضع حدود بين
الحد الأقصى والحد الأدنى للأجور هو السبيل إلى إنتاج علاقات عمل سوية تسهم
فى التعاون من أجل إعادة بناء مصر ودعم إنتاجها وعودة مصر الصناعية
القوية.
لقد قامت الثورة بالعمال وبالشباب وبالقوى الثورية الحقيقية، وما لم
تضمن الثوة حقوق هؤلاء أولا فإن الثورة تحتاج إلى موجات جديدة لإجبار
الجميع على وضع حقوق العمال أولا على مائدة القرار السياسى.
وختاما: تحية عامرة بالحب والتقدير لكل يد عاملة شريفة تعرق وتسهر من
أجل مصر الحقيقية.. مصر المستقبل دون مبالغات أو ادعاءات أو أكاذيب، وذلك
بمناسبة عيد العمال الثانى فى عهد ثورة 25. وإنّا لمنتصرون، وما زال
الحوار متصلا ومستمرا