من يريد أن يحكم مصر؟
الثلاثاء، 9 أغسطس 2011 - 21:08
فى مذكرات اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية وأشهر ضحية لأصحاب انقلاب يوليو مقولة غريبة.. عندما كان يودع الملك فاروق فوق سطح المحروسة فى عرض البحر يوم 26 يوليو 1952 قال له الملك فاروق: «ليس من السهل حكم مصر».. ودارت هذه المقولة فى ذهن «نجيب» بعد سنوات السجن والبهدلة والإهانة والعذاب والتعذيب وقتل الأبناء.. وقال: كيف لم أفكر فى هذه الجملة من قبل؟ وماذا كان يقصد الملك فاروق؟ واكتشف المعنى فى أن الشعب المصرى قادر على أن يرفع رئيسه إلى عنان السماء فى أيام معدودة وقادر على إلقائه إلى أسفل السافلين فى أيام أقل، ومن يرد أن يرى نموذجاً لشعب سريع التحول فليس هناك أوضح ولا أسخن من الصحف كلها والقومية خاصة التى كما أنشدت وهللت ولعقت أحذية السلطان تهيل الآن الأتربة والقاذروات وتؤلف من وحى خيال مريض مشوه قصصا بذيئة ومسفة، وتأتى بقاتل الرئيس السادات وتفرد له صفحة ليصرخ ويقول «إنه كالحالم ولم يتخيل سرعة عقاب الظالم الباغى» وكأن الرجل لم يشارك فى قتل رئيس الجمهورية، والرئيس الأعلى لقواته المسلحة التى كان فيها فرداً، وربما لا يعلم الصحفى الهمام الذى فعل هذه الفعلة من هو الرئيس السادات من أصله لم أستطع أن أشاهد محاكمة رئيس الدولة السابق، ولم أر أن الشعب المصرى قد هرول سعيداً فرحاً بمشاهدة هذه المهزلة التى سيدفع أبناؤنا وأحفادنا ثمنها فى القريب، لم يسعد ويهتف فرحاً سوى الإعلاميين هتفوا بالشماتة والتشفى، وقالوا هكذا تنجح الثورات فى المجتمعات الديمقراطية، وجاءوا بأساتذة التاريخ ليقرروا أن هذا هو مصير كل حاكم مصرى يتغير حكمه وهو حى يرزق وهو درس رائع مشجعاً للقادمين للترشح للرئاسة، وأساتذة الطب النفسى سعداء يحللون نفسية الرجل الراقد خلف القضبان ونفسية أبنائه الذين لم تظهر وجوههم إلا لمحات خاطفة والتحليلات مختلفة «غير مكترث» جبار مفترى، يتحدى الناس بنظراته وقوته، وجمال مستفز ومتغطرس، وعلاء طماع ومتوتر ويهتز كثيراً، والأقلام تعلن سبحان المعز المذل.. ومن إمتى بيشيلوا مصاحف ومن إمتى عندهم دين، وآخر يقول إنه هبط على سلالم الطائرة يجرى وعند المحاكمة عمل عيان ومش قادر يقف، ولماذا لا يذهب لمستشفى طرة؟ هذا طبعاً غير الإدانة المسبقة التى كتبت بالبنط العريض فى الصفحات الأولى.. محاكمة القاتل والسفاح والفرعون قتلة مصر وناهبى مصر.. والحقيقة لا أعرف ما هى جدوى هذه المحاكمات ولماذا إهدار الوقت والمال العام، والأوراق والأقلام وأيضاً النقل والإذاعة على الهواء؟
أما شباب الفيس بوك فاهتماماته مختلفة مثل «ده صابغ شعره وهو معقول شعره مسود كده فى السن ده؟» وكمان بيحط صباعه فى مناخيره مثلما كان اهتمامهم فى بيان التنحى لعمر سليمان هو الراجل اللى واقف وراء عمر سليمان وفى وزارة الفريق شفيق «البلوفر» بتاع سيادة الفريق!!
المجلس العسكرى يعلن أن المحاكمة تقرب بين الشعب والجيش وآخرون يقولون إنها «ديمقراطية» والبلد بلاد دستور ولا برلمان ولا قضاء متحرر من الرأى العام، ولا شرطة تطبق القانون بقوة من شدة خوفها وارتعاشها.
تلخصت الثورة فى إسقاط النظام، وفى كراهية شخصية وخلاف شخصى مع رجال النظام السابق، وهذا طبيعى لأننا لم نمارس أى شىء ديمقراطى يجعلنا نفرق بين الخلاف السياسى، والخناق بالعصى، والسنج والمولوتوف.
والصحافة لا تفرق بين النقد السياسى الموضوعى وبين السباب والشتائم، وقلة الأدب.. لا تعرف أن وظيفتها ليست التهليل للسابق ثم للحالى، ثم إهالة القاذروات الشخصية ولكن الرؤية الموضوعية وإعلان الأخطاء بشجاعة، وإعلان المزايا بشجاعة، فالسباب والكراهية يطمسان الحقائق ويخفيانها ويشوهانها ويهدمان كل شىء، الأخلاق، والسياسة، وهيبة الدولة، هذه الدولة التى كانت تدعى حتى وقت قريب «مصر مبارك» كما قلنا من قبل «مصر السادات» و«مصر عبدالناصر» مصر منذ آلاف السنين هى حاكمها وها هو الحاكم يلقى بكل الإهانات الممكنة حتى تظهر له تهم.. والنتيجة نحن فى انتظار السقوط.
الصحف الأجنبية سعيدة جداً ولكنها لا تقول مطلقاً إن هذا فعل ديمقراطى ولكنها ترفع إصبعها مهددة فى صلافة كل الحكام العرب بنفس المصير، وتذكرهم بمصير صدام وبحال العراق الرائع الراقى، والمتحضر المستقر الديمقراطى الغنى، لماذا لم يسأل أحد نفسه لماذا لم يقرر الرئيس الأمريكى «فورد» محاكمة الرئيس نيكسون فى جريمة التزوير والتلصص المعروفة بووترجيت؟ ولماذا قرر أن يراه الشعب الأمريكى يستقيل فقط، ويترك الرئاسة؟ لأنه كان رمزاً للولايات المتحدة الأمريكية.. هذا ما حدث فى أحلى دولة ديمقراطية فى العالم، أما نحن، فلنستعد، الأيام قادمة شديدة السواد، ونحاول أن نعرف لماذا رجال نظامنا بكل هذه البشاعة، ونحن شعب من الملائكة؟!