مشروع الموازنة الجديدة
يصر على إهدار حق المواطنين فى الصحة
بيان لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة (مايو 2012)
فى إصرار تام على تجاهل
إرادة كل القوى الشعبية وقوى الثورة للمطالبة بالعدالة وإعطاء صحة المصريين حقها
من الإنفاق العام يأتى إصرار حكومة الجنزورى والمجلس العسكرى الحاكم على إهدار صحة
المصريين وحق شعبنا فى العدالة الاجتماعية التى طالبت بها ثورة 25 يناير، فتقدم
الحكومة موازنة عامة للدولة فى العام المالى 2012-2013 على غرار موازنات يوسف بطرس
غالى.
لقد قام الأطباء المصريون
بإضرابين كبيرين شملا كل أنحاء مصر فى 10 و17 مايو عام 2011 من أجل أربعة مطالب
رئيسية كان المطلب الثانى فيها هو مضاعفة نصيب الصحة من إجمالى الموازنة العامة
للدولة ثلاث مرات ليصل إلى النسبة المتفق عليها عالميا كحد أدنى للإنفاق الواجب
على الصحة (15%) باعتبار أن هذا هو الأساس الأول لإصلاح أحوال الطب والعلاج فى
مصر، حيث الصحة (ومعها التعليم الذى نطالب بمضاعفة ميزانيته) هما أساس التنمية.
كما كان المطلب الثالث
فيها هو هيكل عادل للأجور فى المجتمع بحد أدنى كريم وحد أقصى لا يتجاوز 15 ضعفا
للحد الأدنى مع موقع لائق للأطباء فيه، ورأى الأطباء أن هذا هو الأساس الأول (مكرر)
لإصلاح أحوال الطب و العلاج فى مصر عندما يشمل هيكل الأجور العادل كل العاملين من
أطباء وتمريض وفنيين وإداريين وعمالة كما يشمل كل العاملين فى مصر.
وبالطبع اصطدم ذلك المطلب -ليس بوزارة الصحة
المغلوبة على أمرها- ولكن بوزارة المالية، والأصح بالسياسة المالية لدولة مبارك
المستمرة بعد الثورة والمنحازة للأغنياء وضد العدالة الاجتماعية. لقد طرحت مؤتمرات
الأطباء كما طرح المتحدثون فى جمعياتهم العمومية المصادر الممكنة لتمويل تلك
المطالب من خلال وضع حد أقصى للأجور، وإقرار الضرائب التصاعدية، وإلغاء دعم الطاقة
للمصدرين الذى يلتهم ثلثى ما يسمى بالدعم الكلى للطاقة (أكثر من ستين مليارا من 90
مليارا وقتها كدعم كلى للطاقة) بينما لا ينفق على الصحة سوى 24 مليارا (والتعليم
خمسين مليارا).
وأصرت الموازنة الجديدة
على رفض مطلب زيادة الأجور من خلال تجميد مخصصات الأجور فى الموازنة (وزيادتها
زيادة تافهة لتغطية العلاوات فقط، مع الإصرار على عدم وضع حد أقصى للأجور). كما
أقدمت على تخفيض نسبة ميزانية الصحة حيث تحولت من 24 مليار جنية يمثل 4.9% من
الموازنة إلى 25 مليارا تمثل 4.7% من الإنفاق! بينما زادت مخصصات التعليم زيادة
تافهة من 10.5% إلى 11.2% من إجمالى الإنفاق!
بل إن الموازنة التى خفضت دعم الطاقة للصناعات التصديرية بأقل من 10% العام
الماضى (أربعة مليارات ونصف) استمرت على نفس السياسة بتخفيضها أربعة مليارات أخرى
فى العام الحالى، بينما خفضت دعم الطاقة لأبناء الشعب المصرى (الغاز والبنزين
للاستهلاك العام) بأحد عشر مليارا!! وهو ما سيطلق موجة من ارتفاع أسعار كل السلع
مع بدء تطبيق الموازنة الجديدة أول يوليو لارتفاع أسعار النقل والوقود وتأثيره على
ارتفاع سلة الأسعار.
وبالطبع تأتى تلك الموازنة
الانكماشية برعاية صندوق النقد الدولى الذى تسلم له حكومة مبارك المستمرة حاليا،
خصوصا فى ظل عجز الحكومة عن تعبئة المدخرات فى ظل مجاملتها للأغنياء وقسوتها على
الفقراء الذين لم يعد لديهم ما يقدمونه، وبالتالى تلتجئ إلى الاقتراض لسداد العجز
وعلى رأسه سداد ديونها القديمة، وهو ما يضع السياسة المالية تحت رحمة صندوق النقد
الدولى. وبسعى الحكومة لعقد قرضها مع الصندوق بمقدار ثلاثة مليارت ونصف المليار
دولار قررت الالتزام بكل سياسات الصندوق التى تقضى بتقليل الإنفاق العام والدعم
واستمرار العداء للشعب.
ويهمنا هنا إبراز موقف
شركاء الحكم الجدد، أعنى الإخوان المسلمون وتيارات الإسلام السياسى الذين يشكلون
أغلبية السلطة التشريعية ويسعون للاستحواذ على السلطة التنفيذية من خلال السيطرة
على رئاسة الجمهورية ومن خلال مطلبهم القديم الجديد لدخول الوزارة أيضا. فصندوق
النقد الدولى لم يترك شيئا للصدف، بل لقد صرح بأنه قد عقد محادثات مطولة مع حزبى
النور والحرية والعدالة، القوى السياسية الرئيسية المحتمل توليها للسلطة
التنفيذية، وأخذ منها التعهدات الواجبة بالموافقة على سياساته المالية الانكماشية
المعادية لزيادة الإنفاق الاجتماعى!! ولعل هذا هو السبب فى غياب أى برنامج للصحة
لمرشحهم الرئاسى محمد مرسى رغم وجود برنامج عريض للإخوان فى برنامجهم الانتخابى
دائما حتى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة (بصرف النظر حاليا عن تقييمنا لهذا
البرنامج). إنهم لا يستطيعون علنا تأييد عدم زيادة موازنة الصحة، بل وخصخصها، كما
لا يستطيعون رفض ذلك بينما يعتزمون تمريره فى مجلس الشعب. وتدل أحاديث أعضاء لجنة
الصحة فى مجلس الشعب فى الإعلام على اعتزامهم تأييد مشروع قانون التأمين الصحى
الجديد الذى يحول التأمين الاجتماعى الحالى إلى تأمين تجارى ويفتح الباب لإعادة
إحياء الشركة القابضة للرعاية الصحية!!
وهانحن نرى فى ثانى موازنة
للدولة بعد الثورة الدليل على استمرار سياسة وجهاز مبارك فى الحكم ورفض العدالة
الاجتماعية واستمرار الانحياز للأغنياء. فهل سيسكت الأطباء أو هل سيسكت الشعب
المصرى طويلا على غياب العدالة الاجتماعية وأركانها فى أجور عادلة وصحة وتعليم
جيدين؟ وهل سيستمر الإخوان المسلمون فى تأييد سياسات مؤسسات التمويل الدولية
والحكومة المصرية ضد أركان العدالة الاجتماعية المتمثلة فى هيكل عادل للأجور
وتعليم وصحة سليمين؟ إن شعبنا المصرى مدعو للتصدى لتلك السياسات والتمسك بحقه فى
العدالة الاجتماعية، والتى قدم من أجلها مئات الشهداء وآلاف المصابين.