رياح الخامس والعشرين من يناير تهب على 90 شارع الجلاء
الآن.. ينفتح الطريق أمام الحق الذى طال افتقاده وانتظاره
ولكن.. الشأن الأهم .. هو قانون الحريات النقابية
أخيراً..تهب رياح الخامس والعشرين من يناير على 90 شارع الجلاء.. أخيراً.. تسقط المقاعد بالجالسين عليها.. تنقلب الموائد والمنصات.. وتتبدل المعادلة.. أخيراً.. تنزاح من المشهد العمالى وجوهٌ طالما اعتلته وشغلته قسراً وعنوةً وبهتاناً.. تصمت جميع الأصوات المزيفة، وتخرس جميع الكلمات الكاذبة.. تنتهى وللأبد قصة الطغمة التى احتكرت تمثيل العمال المصريين فيما كانت تنكر عليهم حقوقهم ومطالبهم وتتنكر لحركاتهم.. الطغمة التى جعلت من النقابات مؤسسات فى خدمة "السلطان".. ومن العمل النقابى حرفة "البهلوانات فى العصر المملوكى".. أخيراً.. تتبدد الأدخنة الرمادية من الساحة العمالية.. فتنكشف الرؤيا.. يبدو المشهد أكثر وضوحاً.. والهواء أقل تلوثاً.. يستطيع العمال التنفس.. وينفتح الطريق أمام الحق الذى طال افتقاده وانتظاره.. الحق فى تكوين النقابات العمالية المستقلة بحرية.
اليوم الخميس الموافق 4/8/2011.. وافق مجلس الوزراء فى اجتماعه برئاسة الدكتور عصام شرف على مذكرة وزير القوى العاملة والهجرة بشأن الأحكام الصادرة ببطلان انتخابات اتحاد نقابات عمال مصر "2006 -2011".. وكلف المجلس الوزير بتنفيذ هذه الأحكام وما يترتب عليها من آثار بما فى ذلك حل مجلس ادارة اتحاد نقابات عمال مصر واستكمال تنفيذ باقي الاحكام ،وتشكيل لجنة مؤقتة تتولى ادارة الاتحاد لحين اجراء انتخاباته تحت اشراف قضائي. مع اتخاذ كافة القرارات والإجراءات اللازمة لتنفيذ ذلك الأمر.. وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية.
ورغم أن الإجراءات التى تتجه وزارة القوى العاملة والهجرة إلى اتخاذها إعمالاً لقرار مجلس الوزراء، وتنفيذاً للأحكام القضائية المشار إليها- لم تتضح طبيعتها ومداها بعد.. إلا أنه من المفترض أن يمتد الأمر إلى اسقاط جميع تشكيلات وهيئات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بكافة النقابات التابعة له حيث أن عدداً من هذه الأحكام القضائية- واجبة النفاذ- يقضى ببطلان القرارات الوزارية التى جرت الانتخابات النقابية عام 2006 وفقاً لها بما يترتب عليه بطلان هذه الانتخابات بكافة إجراءاتها وبجميع مراحلها.. ولا تقدح فى ذلك كافة المزاعم والمبررات- غير الجديدة- التى يسوقها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر والتى دأب على استخدامها رداً على الدفع بعدم شرعيته، وتنصلاً من تتفيد الأحكام القضائية الصادرة ببطلان انتخاباته وتشكيلاته- مستنداً فى ذلك إلى حجتين رئيسيتين- إذا استبعدنا اللغواللفظى، والرطانة الفارغة، والهجوم الشخصى اللا أخلاقى على الخصوم- وهما الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى بقضايا التنظيم النقابى، والتمسك باستقلالية النقابات عن الحكومة بما تعنيه من عدم جواز حل أجهزتها بموجب قرار وزارى أو تنفيذى.
ولعله غنىٌ عن الذكر أن أحداً ممن يعيشون الواقع المصرى ويعايشون وقائعه وتفاصيله لا يمكنه أن يأخذ- على محمل الجد- حجج الاتحاد العام الذى لم يحترم أحكام القضاء يوماً، والذى كان- بكل معنى الكلمة- صنيعة الدولة والحكومة.. إلا أن الرد على هاتين الحجتين ربما كان واجباً رغم ذلك!!..
أولاً: إن التمسك بعدم اختصاص المحكمة- وبغض النظر عن عدم صحة الدفع- لا محل له بعد صدور الحكم واجب النقاذ وإلا كنا أمام إهدار لحجية الأمر المقضى.. لحجية الأحكام القضائية.. إن مثل هذه الحيل التى عادة ما كان يتم اللجوء إليها فى ظل- وضمن- منظومة الحكم السابق للتنصل من تنفيذ أحكام القضاء لا تصلح لغير الأحاديث التليفزيونية والتصريحات الصحفية بينما لا تجدى نفعاً فى النيل من الحقيقة إذا كان عنوانها حكماً قضائياً.
ثانياً: إن التحجج أو التمسح بمبدأ استقلالية النقابات عن الدولة والحكومة يبدو سقيماً إلى أقصى درجة.. ومضحكاً- فى نفس الوقت- إلى أقصى درجة.. من أنتم يا من تتمكسون باستقلالية النقابات عن الدولة والحكومة.. أنتم يا سادة صنيعة دولة ونظام حكم.. نعم لاستقلالية النقابات عن الدولة والحكومة.. ولكنكم لستم نقابات.. أنتم مؤسسة فُرضت على العمال- فرضاً- رغماً عنهم وبموجب قيود قانونية حالت بينهم وبين حقهم فى تكوين نقاباتهم المستقلة الحقيقية.. حرمت عليهم تكوين النقابات خارج مؤسستكم وجعلت منكم ممثلاً وحيداً لهم دون إرادتهم.. ممثلاً لا يعبر عن مصالحهم، ولا يسعى لتحقيق مطالبهم.. متى كنتم منظمات العمال؟!!.. متى كنتم نقابات؟!!.. ألم تكونوا رجال الدولة والحكومة فى صفوف العمال- بل فوق رقابهم-.. ألم تدينوا كل تحرك عمالى؟ ألم تدافعوا عن سياسات الحكومة؟.. ألم تعلنوا باسم العمال المصريين دعم نظام مبارك مراراً وتكراراً؟!!.. ألم تتخذوا قراركم بتأجيل انتخاباتكم عاماً حتى يتمكن العمال من "رد الجميل" للرئيس "المخلوع" مبارك فى انتخابات الرئاسة التى لم تمهله وتمهلكم الثورة وقتاً لخوضها.. العمال المصريون الذين ذاقوا صنوف العذاب على يد نظام مبارك.. الذين تحول الغالبية العظمى منهم إلى عمال مؤقتين، وأصبح الآخرون غير قادرين على سد رمق أطفالهم.. هؤلاء العمال زعمتم أنهم يرغبون فى رد الجميل لمبارك.. جميل الإفقار والتجويع والقمع والحرمان من الحقوق والحريات النقابية.. أنتم يا من ترفضون قانون الحريات النقابية، يا من تتمسكون بقانون عفا عليه الزمان وبات خارج التاريخ.. تتحدثون عن استقلالية النقابات!!
لا.. لستم اتحاداً للنقابات.. وإنما مؤسسة من مؤسسات النظام التى ينبغى لها السقوط معه..
إن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ببطلان انتخابات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بما يترتب عليها من آثار أخصها بطلان مجالسه وهيئاته وتشكيلاته- التى تشكلت تأسيساً على نتائج هذه الانتخابات الباطلة- هو الحق الذى تأخر كثيراً- تأخر خمسة أعوام- حال خلالها نظام مبارك دون إحقاقه..
إن دار الخدمات النقابية والعمالية التى تأسست منذ عقدين من الزمان لكى تكون منصة العمال المستقلة، وأرضهم المحررة..0.ناضلت طويلاً من أجل حق العمال المصريين فى تكوين نقاباتهم المستقلة،واجهت طغمة "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر" وأجهزة الدولة التنفيذية التى كانت تصطف ورائها.. ودفعت الثمن كاملاً غير منقوص.. الدار التى انتظرت طويلاً حتى يأتى يوماً يتحدث العمال المصريون بلسانهم هم.. ويعلون صوتهم هم.. ومن أجل ذلك كانت حملتها التى استمرت سنوات وسنوات للمطالبة بإلغاء القيود القانونية التى تمنع العمال من تكوين نقاباتهم خارج هذا الاتحاد "مؤسسة النظام لقهر العمال".. كانت الدعوى القضائية للمطالبة بحله باعتباره إحدى مؤسسات النظام التى ينبغى أن تسقط بسقوطه، وكان صوتها الذى ارتفع فى مؤتمر العمل الدولى- جنيف 2011- رافضاً تمثيله للعمال المصريين بعد الثورة... دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تبارك هذه الخطوة الإيجابية التى اتخذها مجلس الوزراء اليوم، وتهنئ عمال مصر جميعاً بسقوط طغمة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بكل ما تمثله وترمز له من منظومة القهر والاستبداد والفساد، وكل ما ارتبط بها من مصادرة حق العمال المصريين فى تكوين نقاباتهم، والتعبير عن مطالبهم ومصالحهم بحرية.. إنما تؤكد أن هذه الخطوة- على غناها بالدلالات - لا يمكن لها أن تكتمل أوترتب نتائجها الأهم دون إصدار قانون الحريات النقابية وإطلاق الحق فى تكوين النقابات من كافة القيود التى أحاطت به طوال حقبة الآلام السابقة.
إن دار الخدمات النقابية والعمالية إذ تؤكد مع العمال المصريين ولهم أن إزاحة هذه الطغمة التى سيطرت على العمل النقابى سنوات فى بلادنا إنما تعبد لهم طريق الخلاص، وتفتح الباب واسعاً أمام حرياتهم النقابية.. إنما تدعوهم وتدعو كافة القوى الديمقراطية فى مصر إلى مواصلة العمل من أجل تحقيق الأمر الأهم بإقرار قانون الحريات النقابية.. مشددة على رفض إجراء الانتخابات داخل مؤسسة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر على الأسس القديمة المرفوضة والتى يمكن لها أن تعيد انتاج ذات المنظومة بغض النظر عن الأشخاص..
إن الشأن ليس شأن إجراء الانتخابات.. أو إعادة هيكلة مؤسسة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر".. وإنما الشأن هو تحرير العمل والنشاط النقابى.. هو تحرير العمال وتمكينهم من بناء نقاباتهم المستقلة حقاً والديمقراطية حقاً.. الشأن الآن هو قانون الحريات النقابية