يجتاح الجفاف والمجاعة والموت أرض الصومال وأجزاء أخرى من القرن الأفريقي. وقد أكدت التقارير أن أحد عشر مليوناً مهددون بالموت. وذلك إلى جانب مئات الألوف الذين أخذوا ينـزحون طلباً لما يمسك الرمق.
كان من المفترض بهيئات الإغاثة الدولية والإسلامية أن تتحرك بأعلى درجات السرعة والفعالية للإنقاذ والحيلولة دون موت الأطفال وانتشار الأمراض ووقوع كارثة إنسانية خطرة، ولكن الذي حدث أن تلك الهيئات تحركت بأبطأ من حراك سلحفاة. وإن تحركت المؤتمرات والإجتماعات وأطلقت التصريحات التي راحت تحذر من المجاعة وتعِدُ بالإنقاذ. فكانت في الواقع "تسمع قعقعة ولا ترى طحناً".
البعض قد يعتبر الذي يحدث من بطء وتقصير مردّهما صعوبات خارجة على الإرادة والإمكان الفعلي. فهنالك من يشير إلى وعورة المسالك، ومن يحتجّ بتعثر الوصول لأسباب سياسية وأمنية.
بعد عشرة أيام من بدء الكارثة تحصد الأرواح أخذت ترتفع أصوات كثيرة رسمية وشعبية تشكو من تباطؤ حركة الإنقاذ الدولية والإسلامية. ولم يعد ثمة حجّة يمكن أن يستخفي وراءها ذلك البطء من جهة الصعوبات المتعلقة بالتنقل والوصول إلى مواقع تقديم المساعدات. الأمر الذي يفرض طرح سؤال مدوٍّ: لماذا هذا البطء غير وجود قرار سياسي به؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن وراء هذا القرار؟
في تصريح بالصوت والصورة لقناة الجزيرة وجّه الشيخ عبد الرحمن سميط، وهو من أهم القيادات الإنمائية الإغاثية الإسلامية، أصابع الإتهام إلى "القرار الدولي الذي يعرقل حركة الهيئات الإغاثية الإسلامية"، طبعاً نتذكر القرار الذي فرض حظراً على عدد كبير من الجمعيات والهيئات الخيرية الإسلامية تحت حجة "تجفيف الينابيع التي تدعم الإرهاب".
هذه الجريمة التي ارتكِبت بحق عشرات الهيئات والجمعيات الخيرية الإسلامية في عدد من بلدان الخليج والدول العربية والإسلامية. وكانت إدارة جورج دبليو بوش قد ضغطت لتنفيذها من خلال الحكومات التي رضخت لهذا القرار. وكان الخضوع إما بالحل وإما بوضع يد الحكومة عليها، وإما بوضعها تحت المراقبة الشديدة، وإرهاب الأفراد الذين يتبرعون بالأموال لدعم نشاطاتها الخيرية والإنسانية حتى كادت تجفّ مصادر الدعم لها.
لقد أكد الشيخ عبد الرحمن سميط أن لا تقصير هناك في تلقي التبرعات والمساعدات من قِبَل المسلمين لإنجاز إنقاذ سريع وفعال. ولكن المشكل جاء من العراقيل التي تعمدّت الإبطاء والعرقلة. وهذه آتية من قرار دولي.
في عام 1978 سرّب تقرير سري لوكالة "السي.آي.إيه" الأمريكية يطالب بضرورة إبطاء وصول المساعدات والنجدات قدر الإمكان للمناطق المنكوبة بالكوارث الطبيعية في بلدان العالم الثالث. وذلك لإتاحة أطول فرصة لتحقق تلك الكوارث أكبر قدر ممكن من التخفيف البشري الذي راح يفيض عن الحد في تلك البلدان.
كثيرون شككوا بصحة مثل هذا التقرير إذ لا يصدق أن تكون هنالك سياسة أمريكية متعمدّة لاستعمال فعل الكوارث بهدف التخفيف من البشر.
علماً أن مراقبة السلوك الدولي وحراك الهيئات الدولية في مواجهة العشرات من الكوارث الطبيعية التي حدثت منذ ذلك التاريخ يعزز القول إن ثمة سياسة في الإبطاء قدر الإمكان حتى لو كان يوماً واحداً أو بضع ساعات زيادة لإعطاء مزيد من الفرصة لعمل الكارثة.
أما من فاته مراقبة حراك الهيئات الإغاثية الدولية وتعمدها التباطؤ في الإنقاذ سابقاً، فليراقبها اليوم بالنسبة إلى كارثة المجاعة التي تجتاح الصومال وبعض مناطق القرن الأفريقي.
هذه السياسة تفاقمت أكثر مع حملة المحافظين الجدد، لا سيما ضدّ العرب والمسلمين، ومع وجود بان كي مون في أمانة هيئة الأمم المتحدة. فهو تابع للسياسة الأمريكية. وقد راح يلعب دوراً قذراً في مأساة الصومال الحالية.
ولهذا يجب أولاً أن تلغى كل القرارات التي اتخذتها حكومات عربية وإسلامية ضدّ الجمعيات الخيرية الإسلامية، ويجب ثانياً أن يُصار إلى تحرير الإرادة العربية والإسلامية والعالم ثالثية حتى تتمكن من التحرك المستقل في تحمّل مسؤولياتها إزاء شعوبها خصوصاً حين تتعرّض للكوارث.
أما ثالثاً فعلى الهيئات الدولية أن تعلم أن حراكها تحت المجهر، ولن يكون بمقدورها أن تتظاهر بالتحرك للإنقاذ فيما تتحرك بأبطأ من السلحفاة، ولكي تعلم المنظمات الدولية التي تعقد المؤتمرات أن القعقعة دون الطحن أصبح سياسة مكشوفة. وليعلم بان كي مون بأنه تحت المجهر كذلك.