منتديات 25 يناير2011
منتديات 25 يناير 2011
منتديات 25 يناير2011
منتديات 25 يناير 2011
منتديات 25 يناير2011
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات 25 يناير2011

هو عباره عن منتدى اراء ومشاورات بما يخص احداث الثوره والتغيرات التى تحدث فى مصر والمشاكل التى تحدث فيها ومتطلبات الشباب *منتدى الثوره دعوه الى الحريه والديمقراطيه واللجوء الى اراء الشعب نحو مستقبلنا افضل.....
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» حماية» يطالب «الأطباء» بالتحقيق فى إصابة 3 أشخاص بالعمى
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 12, 2013 6:02 pm من طرف بركات الضمرانى

» حقوقى" بقنا يكشف عن قرار "التضامن" باسترداد معاش معاقين بأثر رجعى
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 12, 2013 6:01 pm من طرف بركات الضمرانى

» هدايا بجد من موقع hao123
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالسبت سبتمبر 28, 2013 10:16 pm من طرف dada_explood

» هدايا بجد من موقع hao123
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالسبت سبتمبر 28, 2013 10:15 pm من طرف dada_explood

» تعرف علي ماهية التسوق الالكتروني من الالف الي الياء
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالسبت سبتمبر 21, 2013 4:23 am من طرف dada_explood

» حركة شباب ثورة التتغيير
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالأحد يونيو 16, 2013 7:14 pm من طرف حركة التغيير

» عتزار عن غيابى هذه الفتره
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 12, 2013 7:24 pm من طرف محمودالجندى

» محمد مرسى يطالب الشعب بالثورة ضد الاخوان المسلمين
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالجمعة نوفمبر 30, 2012 3:31 pm من طرف دعوة للحياة

» محمد مرسى يطالب الشعب بالثورة ضد الاخوان المسلمين
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالجمعة نوفمبر 30, 2012 3:30 pm من طرف دعوة للحياة

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
بركات الضمرانى
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
Egy 25
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
سليم ابو الليل
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
Admin
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
عصفوره
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
سامية خربوش
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
سيد ابوحفيظه
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
وطنى
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
المحرر
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 
كتكوت
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_rcapمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_voting_barمصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_vote_lcap 

 

 مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بركات الضمرانى
مشرف
مشرف
بركات الضمرانى


الاوسمة : مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة 13
عدد المساهمات : 1142
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 22/02/2011

مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة Empty
مُساهمةموضوع: مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة   مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة I_icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 02, 2011 11:43 pm


مقدمة
ما أجمل أن تتحقق أجمل أحلامنا ويتاح لنا أن نعيش الثورة! ما أروع أن نشاهد الشعب المصرى يعيد خلق نفسه ويستجمع كل طاقاته ويسترجع أقوى وأروع ما فيه ليعيد خلق واقعه على مثاله الجديد طوال ثمانية عشر يوما ينهيها باحتفاله بسقوط رؤوس ورموز النظام القديم والإعلان المهيب عن دخول الأسد الجبار إلى الساحة ليستعد لاستكمال مهام ثورته بالقضاء على كامل النظام القديم، ويستعد، وهذا هو الأهم، لخلق نظامه الجديد المطبوع بطابعه الثورى الحر!
وقد أسقطت ثورة الشعب أيضا كل أوهام اليائسين الذين أدعوا أن الشعب لا أمل فيه، وأن النظام الحاكم الكلى الجبروت والمتصرف فى كل شيئ قد اختار أن يترك للمعارضين مهمة الكلام وحرية النباح بينما ترك لنفسه حرية الفعل كأنما للأبد! وصارت تتردد فى أقاويل المعارضة اليائسة من شعبها كلمات من نوع لو لم أكن مصريا لوددت ألا أكون مصريا، أو مصر ليست أمى ولكنها زوج أبى! فقط النظرة السطحية والطفولية واليائسة هى التى ترى الأشياء إما أبيض أو أسود، وحتى عشية الثورة فمادام اللون ليس أبيضا إذن فهو أسود!
ولكن التاريخ لا يسير على هذا النحو. فقط الدراسة المتأملة والتفصيلية للتاريخ تسلحنا برؤية علمية ضد اليأس وتسلحنا أيضا بالتكتيك السليم الذى يجب أن يبنى على الحساب الدقيق لميزان القوى الاجتماعية والطبقية فى كل لحظة وليس إلى تطرف الأبيض والأسود. إذن علينا أن ندرس نظام مبارك منذ مجيئه وحتى سقوطه حتى نتمكن من فهم كيف قامت الثورة وكيف ومتى بدأ النظام القديم فى التداعى، وما هو ميزان القوى الآن وإلى أى اتجاه يجب أن نصوب من أجل تطوير الثورة لتحقيق أهدافها. إن هذا يعنى محاولة أن نفهم الظروف والقوانين التى حكمت نظام مبارك خلال الأعوام الثلاثين الماضية، وكيف تفاعل مع ظروفه الداخلية والخارجية، وما المراحل التى مر بها حتى تداعى وتخلى عن رئيسه بهذا الشكل فى ثمانية عشر يوما. لقد جاء تولى مبارك للحكم فى غمار أزمة طاحنه ذروتها اغتيال الرئيس السادات. ونذكر هنا أن مبارك أدعى وقتها أنه لن يبقى فى الحكم سوى فترة واحدة ولكنه استمر ثلاثين عاما يمكن تقسيمها لثلاث مراحل شبه متساوية زمنيا لتنتهى بسقوطه هو وبعض رموز نظامه. بينما يدور صراع شديد بين مؤسسات النظام القديم التى تحاول إعادة بناء نفسها مع بعض التنازلات الجزئية وبوجوه جديدة، وبين قوى الثورة الساعية لاستكمال تنفيذ مهمتها التى أخذتها على عاتقها من أول لحظة: "الشعب يريد أسقاط النظام" كله لا الاكتفاء ببعض الترميم!
الأزمة التى صاحبت تولى مبارك للسلطة
بالطبع ليس كل رئيس جديد يعتبر مؤشرا لمرحلة جديدة، فكثير من الرؤساء هم مجرد تغيير فى الأشخاص على نفس الأسس. حقا إن كل جديد يأتى أيضا استمرارا للقديم فى بعض جوانبه، ولكن مدى الاستمرارية بين النظامين فى مقابل حدود الجديد هو ما يوضح ما إذا كان التغير مجرد تغيير بسيط فى الأشخاص أم أنه مرحلة جديدة لها سماتها الخاصة. وإذا كان مجيئ مبارك إلى الرئاسة من موقع نائب الرئيس قد تحقق باغتيال الرئيس القديم فإن هذا وحده يوضح مدى الاستمرارية، إذن فما هو الجديد؟
لم تكن المشكلة فى عام 1981 هى مجرد اغتيال رئيس الجمهورية، فقد حدث هذا مرارا فى بلدان مختلفة دون أن يؤدى إلى نظام جديد. ولكن الملفت للنظر هنا هو الارتياح الشعبى الواسع لاختفاء الرئيس السادات الذى عبر على جسد آلاف الشهداء ليعقد الصلح مع أعداء مصر التاريخيين أمريكا وإسرائيل. كما جسد الأزمة أيضا نجاح الجماعات الإسلامية الجهادية فى السيطرة على مدينة أسيوط واحتلال مديرية الأمن بها لمدة ثلاثة أيام. وهناك بعد هام للأزمة هو واقع انتقال مصر من الموقع القيادى داخل الوطن العربى إلى وضع العزلة عن الدول العربية المنقسمة إلى معسكر الصمود والتصدى ومعسكر الاعتدال وكلاهما يقاطع مصر بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، كما وتم نقل جامعة الدول العربية من مصر إلى تونس!
ومن ملامح تلك الأزمة النقاش الذى جرى وقتها فيما سمى بالمكتب السياسى للحزب الوطنى الحاكم فى أعقاب اغتيال السادات، حيث بدا استقطاب حاد أحد طرفيه هو وزير الداخلية وقتها النبوى اسماعيل يسانده عثمان أحمد عثمان الذين رأوا أن اغتيال السادات فى 6 أكتوبر بعد شهر من حملة القمع الشهيرة فى 5 سبتمبر التى طالت حوالى 1500 من رموز المعارضة اليمينية واليسارية والدينية الإسلامية والمسيحية تثبت أن هذا القمع لم يكن كافيا، وأنه يجب البطش بمزيد من القوة بالمعارضة. ولكن كان هناك رأى مختلف للطرف الآخر وساندته أمريكا، إذ رأت فيه فرصة لمناورة ضرورية لتغيير التكتيك حفاظا على النظام. والأمر يتعلق هنا بالموقف من المعارضة فى ظروف الاحتقان البالغ فى المجتمع، أى محاولة الوصول إلى معادلة مستوى حريات التعبير المتاح أمام الجمهور فى ظل الاحتقان الداخلى والمعارضة المتنامية بما لا يهدد أسس النظام. وكل نظام طبقى يعرف طبعا أنه لا يمكن أن يستمر بدون أجهزة قمع تحميه من بوليس ومباحث ومخابرات وجيش عند اللزوم. ولكن كل نظام يدرك أيضا أن النظم يستحيل أن تحيا على القمع وحده دون درجة من القبول الشعبى، وأن أى نظام يحيا مرفوضا من شعبه، أى يحيا على القمع وحده تصبح أيامه معدودة.
لقد وعى نظام السادات جيدا درس الانفجارات الاجتماعية المتزايدة سنويا التى حدثت بعد نكسة 1967 خلال الأعوام 1968، 1972، 1973 ورأى أن استمرار نظام الرأى الواحد الاستبدادى مع انفجارات سنوية لا يصلح للحفاظ على النظام ذاته. لقد استطاع النظام الناصرى "تأميم الصراع الطبقى" كما قيل بين 1954 و1967 استنادا إلى تبنى مطامح الشعب فى العداء للاستعمار مع درجة من تحديث البنى الاقتصادية والانجازات الاجتماعية فى خلق فرص العمل وتطوير وتوسيع نطاق خدمات التعليم والصحة. ولكن تغير الوضع بعد هزيمة 1967 بما لا يسمح باستمرار نظام الحزب الواحد والرأى الواحد. وبقدر ما كانت الحركات الاحتجاجية الاجتماعية والسياسية المعارضة أحد أسباب تبنى الحكم لتكتيك خوض حرب 1973 بقدر ما كانت سببا فى تخلى النظام بعدها مباشرة فى ورقة أكتوبر 1974 عن نظام الحزب الواحد والرأى الواحد والانتقال إلى المنابر ثم الأحزاب فى الفترة بين 1974 و1977. ويسمى الفقهاء الدستوريون ذلك التغيير بالتعددية المقيدة (وليس الديمقراطية) تمييزا له عن الرأى الواحد والحزب الواحد من ناحية وعن الديمقراطية بمفهومها المعروف من جهة أخرى. فهذا النظام لا يستحق تسمية الديمقراطية فى عرف الفقهاء الدستوريين لأنه لا يتيح تداول السلطة بين الأحزاب إذ تبقى، بحكم التزوير وبحكم حدود حريات التعبير، تبقى السلطة فى يد الحزب الحاكم. لكننا نرى أن تلك التفرقة تغفل بعدا هاما فى التمييز بين تلك التعددية المقيدة والديمقراطية الحقيقية.ففى التعددية المقيدة تقتصر الحريات على فى تلك النظم على توسيع حدود حرية الصحافة والندوات المحدودة والمؤتمرات الجماهيرية النادرة، وقت الانتخابات بشكل رئيسى، مع خلوها من حريات التعبير الجماهيرية مثل حق الاجتماع والتظاهر السلمى وحق الإضراب وحريات النشر والصحافة الكاملة وغيرها.
لقد ترافق دور السادات فى تغيير وضع الحريات السياسية من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية المقيدة مع تغيير النظام الاقتصادى للتوجه نحو اقتصاد مفتوح للسوق فيما عرف بسياسة الانفتاح الاقتصادى بما اشتملت عليه من حريات أربع لرأس المال: تحرير التجارة، وحرية الاستثمار، وحرية تحويل العملة، وأخيرا "تحرير" استغلال القوى العاملة من خلال تخفيف قوانين العمالة من ضمانات العمال. وقد منحت تلك الحريات بالطبع لرأس المال المحلى والعربى والأجنبى على حد سواء. ودفع هذا البعض إلى القول أن جذر الانتقال إلى التعددية المقيدة فى السياسة هو الانتقال الاقتصادى الحادث. إلا أن التاريخ يعلمنا أن الانتقال للحرية الاقتصادية يمكن أن يكون فى ظل حريات نسبية كما يمكنه أن يترافق مع أشد الأنظمة ديكتاتورية كما نرى فى مثال شيلى بينوشيه والمملكة العربية السعودية، ولا توجد علاقة ميكانيكية بين حريات التعبير السياسية وبين الأخذ بالاقتصاد الحر. فالدافع الرئيسى لتخفيف القيود على حريات التعبير فى عهد السادات فى الفترة بين 1974 و1977 هو سبب سياسى لامتصاص السخط الاجتماعى الذى تجسد فى الانفجارات السنوية خصوصا فى ظل ثقة السادات فى قدرة إنجاز العبور على ضمان تأييد الشعب له.
إلا أن تلك الموازنة لم تدم بعدما أدت سياسات التحرير الاقتصادى والعلاج بالصدمة بالإجراءات الاقتصادية ورفع الأسعار فى يناير 1977 إلى تفجر انتفاضة 18 و19 يناير الشهيرة حيث قدم الشعب ما يزيد عن 300 شهيد، وحيث لم يمكن السيطرة على السخط الجماهيرى إلا بنزول الجيش وفرض حظر التجول مع التراجع عن القرارات الاقتصادية التى تسببت فى انفجار السخط. ثم أتت مبادرة السادات بزيارة القدس فى نوفمبر 1977 وما صاحبها من سخط بالذات بين المثقفين لتدعم التراجع عن التعددية المقيدة. واتسمت السنوات الخمس الأخيرة من حكم السادات (يناير 1977- أكتوبر 1981) بالقمع الشديد والملاحقات لمختلف القوى السياسية المعارضة وإجبار حزب الوفد على تجميد نفسه وإجبار حزب التجمع على وقف إصدار جريدة الأهالى بعد المصادرات المتتالية لأعدادها، انتهاء بالقبض على 1500 من قادة المعارضة من أحزاب وقوى دينية إسلامية ومسيحية ووزراء ورجال نظام سابقين شملوا وزراء وحتى مستشار سياسى سابق للرئيس مثل محمد حسنين هيكل! كما تم نقل المئات من أساتذة الجامعات والصحفيين إلى المؤسسات الحكومية وشركات القطاع العام. وهكذا انتهت عمليا التجربة القصيرة فى عمر التعددية المقيدة الساداتية التى لم تتجاوز ثلاث سنوات (1974-1977). وأصبح السؤال أمام الحاكم الجديد حسنى مبارك هو إما زيادة القمع الذى كلف النظام حياة رئيسه ومحاولة الجماعات الإسلامية عمل انقلاب، أو اللجوء لتغيير التكتيك!
المباركية والمناورة الضرورية لطبقة مأزومة: المرحلة الأولى (الثمانينات)
هكذا وجدت السلطة الجديدة نفسها فى خضم أزمة داخلية وخارجية مع رفض إقليمى عربى وسخط داخلى مكبوت وقوى سياسية فى السجن مع رئيس قديم اغتيل ورئيس جديد مفتقد لشرعية المساهمة فى مجلس قيادة ثورة 1952 ولأى شرعية أخرى حيث كان عليه فى الظروف الجديدة خلق شرعية مستقلة له. وبالطبع لم يكن الرئيس وحده فى مواجهة كل هذا فقد كان معة الأوصياء الناصحون الأمريكان كما لم يتخل عنه معسكر الرجعية العربية بقيادة السعودية الذى لا يفقد اهتمامه بمصر عنصر الثقل الهام فى النظام العربى كله سواء كانت فى معسكر التقدم أيام عبد الناصر أم فى معسكر الرجعية!
وكانت المباركية هى التكتيك الذى قررته طبقة مأزومة، والذى تضمن جوانب متعددة: ففى المجال العربى أتت بوزيرى خارجية بارزين: عصمت عبد المجيد ثم عمرو موسى وبدعاية مؤداها أن معاهدة السلام مفروضة وانتهت وأنه من غير المناسب إلغاءها بعد استرداد سيناء. واكتسى كل هذا بقناع شبه ناصرى: فمبارك يتجاهل السادات فى أحاديثة فى الفترة الأولى ويتجاهل زيارة قبره فى أول ذكرى له. وبعد هذا يحرص على زيارة قبر عبد الناصر ثم زيارة قبر السادات. وعمرو موسى يتقن الرطانة الناصرية من حيث الشكل ويعلى الصوت تجاه إسرائيل دون المساس بالطبع بالأوضاع القانونية التى فرضتها معاهدة السلام. والإسرائيليون الساخطون بالطبع ينحصر نقدهم فى اعتراضهم على السلام البارد مطالبين بتطوير التطبيع، ولا يتورعون، كما فعل رئيس الوزراء بيجن فى أعقاب غزو إسرائيل للبنان عام 1982، عن التهديد بإعادة احتلال سيناء عندما قامت مصر باستدعاء السفير المصرى فى تل أبيب للتشاور!
أما على الساحة الداخلية فقد استأنف مبارك تجربة التعددية المقيدة، وبدأ بالحركة المسرحية بالإفراج عن قادة المعارضة لكى ينتقلوا من السجن إلى القصر الجمهورى لمقابلة الرئيس الجديد! وتدريجيا عادت تجربة التعددية المقيدة إلى الازدهار واستأنف حزب التجمع إصدار جريدته وتخلى حزب الوفد عن التجميد وأعلن استئناف نشاطه وأصدر جريدته اليومية، ونشط حزب العمل مع خروج قادته من السجون. وتميزت تجربة التعددية المقيدة المباركية عن الساداتية بطول فترتها. وسعت قوى جماهيرية حية إلى استغلال ذلك المستوى من الحريات فى تأسيس العديد من الجمعيات الأهلية والتنظيمات جماهيرية فى مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العمالية وعن المرأة والصحة وغيرها، ولجأ بعضها فى مواجهة القيود على نشاط الجمعيات الأهلية التابعة للشئون الاجتماعية –لجأت إلى شكل الشركات التجارية غير الربحية ككيان قانونى واتسعت بدرجة مهمة حريات التعبير المنتزعة.
ورفع مبارك نفسه فى بداية عهده شعارات طهارة اليد (!) واعتقل عددا من رموز الفساد فى عهد السادات بدءا بعصمت السادات ورشاد عثمان وغيرهم بل وتمت محاكمتهم الحكم على بعضهم بالحبس.
وأتت تلك السياسة التى استمرت طوال السنوات العشر الأولى من حكم مبارك- أتت بنجاحات للنظام متمثلة فى نجاحه فى كسر المقاطعة العربية واستعادة الجامعة العربية للقاهرة وتعيين عصمت عبد المجيد أمينا عاما فى نهاية عام 1990. وبهذا استعادت مصر الدور القيادى على الساحة الرسمية العربية (بالمشاركة مع المملكة العربية السعودية)، كما نجح نظام مبارك فى اكتساب درجة من التأييد الشعبى للحكم الجديد واستطاع تكوين قاعدة له وتحقيق فترة من الهدوء الداخلى. وترافق هذا مع تركيز القمع الوحشى على التيار الدينى الجهادى الذى اغتال رأس النظام السابق وحاول منافسته على الحكم!
ولا يكتمل الحديث عن تلك الفترة إلا بالإشارة للحركة الجماهيرية. فهناك أزمة اقتصادية طاحنة ألمت بمصر فى عهد السادات والتى بلغت ذروتها بالإعلان السرى عن إفلاس مصر عشية حرب أكتوبر على لسان السادات (قوله أن الميزانية قد وصلت إلى الصفر قبيل حرب أكتوبر) فى محاولته إقناع رجال الطبقة بخوض حرب أكتوبر كخلاص وحيد. ولكن فتح أبواب تصدير العمالة للخارج وطرق الصعود الفردى وحل المشاكل الحياتية أمام القوى العاملة المصرية عن طريق الهجرة المؤقتة للعمل، خصوصا فى ظل تصاعد الطلب عليها فى السعودية والخليج بعد الطفرة النفطية واتجاه تلك الدول لبناء بنية تحتية متطورة، ساهم فى تخفيف وطأة الأزمة على المصريين. لقد كان تصدير العمالة هو بديل فشل التنمية، وأثر فتح مجال الحل الفردى للأزمات الاقتصادية أثر سلبا على تطور النضال الجماعى من أجل تحسين الأحوال فى الداخل. ولا يعنى هذا بالطبع غياب الاحتجاجات الجماهيرية، ولكنه بالطبع أثر سلبا على قوتها. وكان أبرز التحركات العمالية فى تلك الفترة (الثمانينات) هو إضراب عمال السكك الحديدية عام 1986 وعمال الحديد والصلب عام 1989. وفى أعقاب قيام الحكومة باغتيال الجندى سليمان خاطر فى السجن، وهو الجندى الذى أطلق النار فى سيناء على سياح إسرائيليين لم يمتثلوا لأمر التوقف عن اجتياز منطقة عسكرية، خرجت مظاهرات مصرية عارمة شملت معظم الجامعات ومعظم المدن فى تعبير عن عجز الحكومة عن تجاوز حاجز الرفض الجماهيرى للعدو الصهيونى. وبرزت كذلك انتفاضة جنود الأمن المركزى عام 1986. وبالطبع أثار كل ذلك قلق النظام خصوصا وقد تضامنت مع تلك الحركات منظمات حقوق إنسان ونقابات ومنظمات أهلية متعددة. كما برزت حركات جماهيرية مختلفة تفضح الفساد الذى بدأ فى التنامى وتظهر رائحته، وتفضح كذلك التعذيب الوحشى للجماعات الإسلامية فى السجون وتوحش جهاز الشرطة فى التعامل مع المدنيين فى أقسام البوليس وغير ذلك من المظاهر التى بدأت تثير السخط الجماهيرى. ولكن الحركة الجماهيرية ككل اتخذت شكل الانفجارات المتباعدة وتنامى حركات احتجاج المثقفين أساسا مع ضعف الحركة العمالية الإضرابية والحركات الاحتجاجية الجماهيرية بشكل عام، وابتعدت تلك الحركات عن أن تصبح نمطا للحياة اليومية، وهو ما حدث بعد ذلك فى الألفية الثالثة.
التسعينات وتغيير ضرورى فى التكتيك: المرحلة الثانية
إذن فقد أتت التسعينات والنظام قد نجح فى تجاوز العزلة العربية ورجع لمحيطه الطبيعى مقبولا منه رغم استمرار كامب دافيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، كما نجح فى خلق شرعيته الخاصة من خلال المعادلة التى نجح فى تطبيقها وأدت إلى فترة طويلة نسبيا من التعددية المقيدة سمحت بتجاوز وضع الصوت الواحد والحزب الواحد ناصرى الطابع الذى انتهى وقته. إلا أن ضريبة الوضع الجديد التى بدأت فى الاتضاح هى تراكم السخط وتزايد المعارضة الشعبية بالذات فى عدد من المنابر الهامة. فقد أبرزت الحركة العمالية المتصاعدة وحركة منظمات حقوق الإنسان ومختلف منظمات المجتمع المدنى المتعاطفة معها ضرورة تصدى النظام لها خوفا من استفحالها. كما ساهمت عودة قسم مهم من العمالة المصرية من العراق والكويت فى أعقاب غزو العراق للكويت عام 1990فى تفاقم البطالة والغلاء كمصادر للسخط. وصدر قانون الإيجارات الزراعية رقم 96 لسنة 1992 لإطلاق قيمة الإيجارات الزراعية بدون حد أقصى مع إلغاء أبدية عقود الإيجارات –بل وإلغاء أى حد أدنى لمدة العلاقة الإيجارية التى تؤمن المنتج الحقيقى مما جعل الحد الأدنى للإيجار أقل من سنة، أى الإيجار بالزرعة- مما أدى إلى نزع الأراضى المؤجرة وتسليمها للملاك "الغائبين عادة" على حساب المنتجين الحقيقيين. وبعد انتهاء مهلة الفترة الانتقالية عام 1997 وعند التطبيق الفعلى للقانون تمسك معظم الفلاحين بالأرض وتدخل الأمن المركزى لتسليمها لملاكها بالقوة فقدمت الحركة الفلاحية حوالى 130 شهيدا فى تلك المعارك. كما أن مشاركة القوات المصرية بجانب القوات الأمريكية والدولية فيما سمى بحرب تحرير الكويت دفعت بأقسام من المعارضة للنزول للشارع فى اعتراضا على الانحياز العسكرى المصرى للقوات الغربية ومساهمته فى إنجاح مخططها لرسم خريطة الشرق الأوسط الأمريكى.
لكل هذا بدأ نظام مبارك فى خطة منظمة لتقليص حريات التعبير واستعادة مزيد من تحكمه فى الأمور. وبدا هذا واضحا فى التسعينات فى مسلسل القوانين المقيدة للحريات. فقد بدأ النظام بالنقابات المهنية مع إقرار القانون رقم 100 لسنة 1993 لتقليص قدرتها على التحرك التى وصلت إلى حد شللها الكامل، وشهدت النقابات الأكثر نشاطا أبرز تنكيل تمثل فى فرض الحراسة على نقابتى المحامين والمهندسين وتعطيل الانتخابات فى نقابات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والتجاريين منذ منتصف التسعينات وحتى سقوط نظام مبارك.
تلا هذا تعديل قانون النقابات العمالية بالقانون رقم 12 لسنة 1995 لمد مدة الدورة الانتخابية (من أربع إلى خمس سنوات) لتقليل الإزعاج الذى تسببه الانتخابات للحكومة على يد المعارضين، مع زيادة قدرة الحكومة على التدخل الإدارى لتقييد نشاطها وتشويه البنيان النقابى بالإصرار على إلغاء الجمعية العمومية كتجمع لكل العمال العاملين بالمنشأة الصناعية وقصرها على الممثلين المنتخبين من كل مصنع فى الجمعية العمومية للنقابة العامة.
ثم أتى تعديل قانون الجمعيات الأهلية نحو قانون أكثر استبدادا بكثير بواسطة القانون رقم 153 لسنة 1999 حيث زادت مدة الدورة بين الانتخابات كما فى النقابات العمالية مع منح وزارة الشئون الاجتماعية سلطات مطلقة –ليس فقط فى الموافقة على تأسيس الجمعيات بل فى حلها وتغيير مجالس إدارتها والاعتراض على قرارات جمعياتها العمومية.
وارتبطت تلك التعديلات كلها بمعارضة واسعة فى صفوف جماهير تلك المنظمات، وتم خوض معارك جماهيرية على ساحة البيانات والتجمعات والمظاهرات والاعتراض فى مجلس الشعب وكذلك تم خوض معارك قانونية ضد تلك القوانين لتعارضها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية الضامنة للحريات المدنية والسياسية ولحقوق الإنسان، والتى وقعت عليها مصر.
بين الاقتصاد والسياسة: أمريكا، العرب، المستثمرون
لما كان العرض التالى سياسيا فى طابعه، ويهدف أساسا إلى رؤية منطق تطور حكم النظام المصرى فى عهد مبارك وكيف قادت تناقضاته الأساسية إلى تشكل وتطور جنين الثورة داخله حتى أطيح به فى 11 فبراير 2011، فإن هذا بالضرورة يستبعد التناول التفصيلى لتطورات الأوضاع الاقتصادية خلال ذلك العهد. إلا أن التضافر الوثيق بين الاقتصاد والسياسة، والعلاقة الوثيقة بين آثار السياسة النيوليبرالية بالذات فى مجال الخصخصة وبين قيام الثورة يقتضى حديثا موجزا عن مصر فى عهد الانفتاح الاقتصادى.
تمثلت الانعطافة الاقتصادية فى مصر منذ عام 1974 فى الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادى بما تعنيه من فتح الأبواب، أو الأدق الفتح التدريجى لأبواب تحرير التجارة الداخلية والخارجية، واتخاذ السياسات الملائمة لجذب وتشجيع رءوس الأموال المحلية والعربية والدولية على القدوم للاستثمار فى مصر، مع ما يستلزمه ذلك من تحرير متزايد للعملة المحلية من أجل توفير إمكانيات التحرير الحقيقى للتجارة الخارجية وتحويل عائد الاستثمارات للخارج. لقد بادرت مصر إلى تلك السياسات مدفوعة بأزماتها الاقتصادية حتى من قبل حرب أكتوبر عام 1973 (أنظر مثلا قانون السوق الموازية وتخفيض الدولار فى وعائها من 40 إلى 55 قرشا فى صيف 1973)، ثم أتى تدخل مؤسسات التمويل الدولية فى أعقاب حرب أكتوبر وتدعيم العلاقات مع الغرب لكى يساهم بدور رئيسى فى رسم ملامح تلك السياسات ولكى يربط بها المعونات الغربية، ولكى يستخدم عند الضرورة مختلف أدوات الضغط من أجل تنفيذها.
وتميز عقد الثمانينات بالتوسع الشديد فى الاستيراد بالذات فى السلع الكمالية لإشباع النهم الاستهلاكى لطبقات سائدة محرومة فى فترة السيطرة على التجارة الخارجية وعلى تحويل العملات الأجنبية فى العهد الناصرى.، كما تميز بالتوسع فى السماح بحيازة العملة الأجنبية وبالتحرير المتزايد لحقوق حيازة وتحويل هذه العملات. كما تميزت السياسات النقدية والمالية فى التوسع فى التمويل بالعجز ونتج عن ذلك وجود عجز شديد فى الموازنة العامة للدولة وفى ميزان التعامل مع الخارج. وبالنسبة للجمهور كانت السمة البارزة هى التضخم الشديد الذى انعكس على انخفاض الأجور الحقيقية وتدهور مستوى معيشة العمال والموظفين وذوى الدخول الثابتة. وظهر التباين بين مستوى العاملين فى الحكومة من جهة والقطاع العام من جهة أخرى، فقد استطاع القطاع العام الاحتفاظ بقسم أساسى من عمالته والاستمرار فى الإنتاج بفضل اللجوء إلى البدلات التى تساوى مثل إلى مثلى المرتب، وبقيت المرتبات فى معظم وحدات الجهاز الحكومى على محدوديتها. وفى المقابل انتعشت دخول القطاعات المرتبطة بالتجارة وبالذات فى السلع المستوردة. وفتحت ضغوط الأسعار تلك باب الهجرة المؤقتة للعمل بالخليج الذى فتح أبوابه واسعة بعد الطفرة فى أسعار البترول للعمالة الوافدة من أجل بناء بنية تحتية حديثة وتطوير جهاز الدولة الإدارى والمالى والخدمى. وقدرت دورة العمالة المصرية فى دول الخليج بحوالى ثلاثة ملايين ونصف مليون مصرى فى الوقت الواحد. وكانت محصلة كل ذلك هى فتح أبواب الحل الفردى واسعا أمام المصريين، على حساب تطور النضال الديمقراطى لتحسين أوضاع المواطنين كما سبق القول. أما القطاع الذى ظل بمصر من العاملين فقد أصبح يوم العمل المزدوج هو القاعدة، بالعمل فى مهنتين أو ثلاثة، أو العمل فى مؤسسات خاصة تدفع مرتبات جيدة ولكن بدون حدود لساعات العمل.
ومنذ بداية الانفتاح الاقتصادى دخلت مؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها هيئة المعونة الأمريكية والبنك الدولى لكى تكون لها مكاتب فى معظم الوزارات، ولكى تعين بمكافآت سخية وكلاء الوزارات المحالين للمعاش وبعض العاملين كمستشارين الذين شكلوا فيما بعد لجان السياسات بالوزارات. وتلخصت مهمة تلك المؤسسات فى: تقديم بعض المنح والمساعدات لمشاريع مختلفة، والقيام بجهد دءوب فى دراسة الواقع للخروج بمقترحات متكاملة لإعادة هيكلته وفق نموذج الاقتصاد الحر لتمكين المستثمرين الأجانب والعرب والمحليين من تبوء الدور القيادى فى الاقتصاد والمجتمع. وشمل هذا وزارات الصحة والتعليم والصناعة والزراعة وعمليا كافة أوجه النشاط فى مصر. هذا وقد اشتملت كل اتفاقية على جانب تشريعى لتقنين المزايا التى يرغب فيها رأس المال الدولى بدءا من خصخصة القطاع العام وحتى خصخصة التعليم والصحة!
وقد أعطى تراكم الديون مؤسسات التمويل الدولية يدا طولى فى رسم السياسات المالية والنقدية والاستثمارية فى مصر. وقام صندوق النقد الدولى بعقد أربع اتفاقيات (برامج التثبيت) مع مصر فى أعوام 87-88، 91-93، 93-96، 96-98، ساهمت جميعا فى تخفيض قيمة الجنية المصرى تدريجيا وتخفيف القيود على حيازة وتداول العملات الأجنبية، مع التوسيع المتزايد لحريات التجارة والاستثمار. وقد أعطت تلك الاتفاقيات مصر الحق فى الحصول على قروض إجمالية بمبلغ حوالى 1.8 بليون دولار لم تسحب منها مصر سوى الربع تقريبا، ولكنها كانت بحاجة إلى تلك الشهادات حتى يمكن إسقاط 50% من ديونها (29 مليار دولار) الذى تقرر كمكافأة لها على مشاركتها فيما سمى حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقى، وكان إسقاط الديون على مراحل على مدى سنوات فى مقابل الالتزام بالسياسات التى فرضت على مصر. وشارك البنك الدولى أيضا باتفاقات عدة أشهرها اتفاق التكيف الهيكلى عام 1991.
وما عرف كليا باتفاقيات التثبيت والتكيف الهيكلى مع البنك والصندوق عام 1991 ساهم بشكل حاسم فى التغيرات الاقتصادية التى حدثت فى السنين التالية مما يقتضى نظرة تفصيلية نوعا ما لبنوده. لقد نص الاتفاق على تبنى السياسات التالية:
1- الاصلاح المالي بتبنى سياسات زيادة الإيرادات الحكومية من خلال الضرائب غير المباشرة أساسا مثل الضرائب المفروضة على الوقود وضريبة المبيعات فيما بعد، وتقليل الإنفاق الحكومى بتقليص الدعم وتقليص الإنفاق على الخدمات مثل التعليم والصحة (أعنى هنا تقليص الدعم وميزانية الخدمات كنسبة من الإنفاق العام).
2- الاصلاح النقدي من خلال تبنى سياسات انكماشية بتخفيض سعر صرف الجنية المصرى أمام الدولار وزيادة سعر الفائدة.
3- تحرير التجارة الخارجية بحيث أصبح بالتدريج مسموحا بالتجارة الخارجية فى كل السلع ماعدا عدد ضئيل بقى تقييدة.
4- تحفيز الاستثمار المحلي والاجنبي من خلال التوسع فى الإعفاءات الضريبية وإعطاء الضمانات لرأس المال الوافد مع حقه فى نزح أرباحه للخارج، مع تشريعات عمالية تقلص من الحقوق والضمانات الممنوحة للعمالة.
5- اصلاح القطاع العام وبدء برنامج الخصخصة، وهو ما أسفر عن إصدار القانون رقم 203 لسنة 1991 المعروف بقانون قطاع الأعمال العام. وهو ما استهدف تخلى الدولة عن أى دور فى الاستثمار الإنتاجى المباشر، وعمل على نقل تلك الأصول بالبخس إلى المستثمرين المصريين والعرب والأجانب.
لقد كان هذا القانون هو حجر الزاوية فى سياسات الخصخصة، فهو الذى حول هيئات القطاع العام إلى شركات قابضة يسمح لها بالتصرف فى شركاتها (التى تحولت إلى شركات تابعة للشركات القابضة) بالبيع والمشاركة مع مستثمرين مصريين وعرب وأجانب، وطرح أسهمها فى البورصة وإدارة محافظها المالية. لقد أسفر هذا عن بدء بيع تلك الشركات بشكل بطئ نسبيا فى التسعينات لكى يكتسح فى العقد التالى، وبهذا اتضحت حقيقة الانفتاح الذى بدأ على حد قول السادات بأنه (من أجل البحث عن رأس المال والتكنولوجيا) لكى يصبح فى المحل الأول نقلا للأصول الإنتاجية الموجودة بالفعل إلى الملاك الأجانب وجزئيا العرب والمصريين وليس خلق أصول جديدة. كما أن الخصخصة التى بدأ تبريرها بالتخلص من الشركات الخاسرة نتيجة لفشل القطاع العام فى إدارتها تحول إلى بيع الشركات الرابحة من أجل استغلال عائد أموال بيعها كما قيل فى إصلاح أوضاع الشركات الخاسرة حتى تتحول إلى شركات رابحة فيتم بيعها! كما كان من نتائج اتفاق برنامج التثبيت والتكيف الهيكلى القانونية صدور القانون رقم 95 لسنة 1992 الخاص بتدعيم وتنشيط بورصة الأوراق المالية حتى تكون أداة فعالة تسهل انتقال ملكية الأصول بالذات إلى أيدى الأجانب.
تميزت فترة التسعينات اقتصاديا بغياب التضخم الذى كان سمة الثمانينات نتيجة لتطبيق برنامج التثبيت والتكيف الهيكلى، وتم وضع قيود على التوسع فى الإصدار النقدى ولكن لجأت الحكومة فى تغطية العجز المالى إلى طرح سندات خزانة. واستمرت الحكومة فى تغطية العجز أيضا من خلال اقتراض فائض صناديق التأمينات والمعاشات بفائدة تقل عن سعر الفائدة السائد فى سوق الائتمان. وبالطبع قاد تخفيض قيمة العملة فى بداية البرنامج إلى غلاء مواز فى أسعار السلع المستوردة وهى تشمل قسما هاما من سلع الاستهلاك الأساسية, إلا أن معدل التضخم ظل ثابتا نسبيا فى ظل الاستقرار المالى بين عامى 1991 و1998.
إلا أن الاقتصاد المصرى عانى من أزمة كساد واضحة بين عامى 1999 و2003 ساهم فيها أحداث متعددة: فقد أثرت السياسات الانكماشية التى بدأت برنامج التثبيت والتكيف الهيكلى عام 1991 على تقليص الإنفاق العام الخدمى، ناهيك عن غياب أى استثمار عام إنتاجى واقتصار ما يسمى بالخطة الحكومية الاستثمارية على بعض الترميم وقليل جدا من الاستثمارات الجديدة فى مجال التعليم والرعاية الصحية والمرافق. ونظرا لانكشاف الاقتصاد المصرى على الخارج وللطابع الريعى للاقتصاد المصرى الآخذ فى التزايد باعتماده على موارد ريعية فى معظم موارده من العملة الصعبة (عائد المرور فى قناة السويس، وريع البترول، وريع الموقع والتاريخ المتمثل فى السياحة، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج) تأثر الاقتصاد المصرى بشدة بانعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية فى أعقاب الانهيار المالى فى البورصات الأسيوية نهاية عام 1997 وعام 1998, نتيجة لتأثر معدل العبور فى قناة السويس وانخفاض أسعار البترول وركود السياحة. ولا ننسى أيضا أن أحداث اغتيال السياح فى الأقصر فى نوفمبر عام 1997 ساهم أيضا فى تقلص السياحة.
وبالطبع استمرت الضغوط الأمريكية وضغوط مؤسسات التمويل الدولية على مصر من أجل مزيد من إعادة هيكلة الاقتصاد المصرى لمزيد من التبعية. وكانت محاور هذا الضغط تتلخص فى أن سعر الجنية المصرى مقوم بأكثر من قيمته الحقيقية ولابد من خفض قيمته أمام الدولار، مع مزيد من تعويم العملة. كما انتقدت تلك المؤسسات تباطؤ معدلات الخصخصة فى مختلف المجالات. ومن الملفت للنظر الهدف النهائى لمؤسسات التمويل الدولية حيث صدر تقرير للبنك الدولى فى أواخر التسعينات يقول أن الاقتصاد المصرى ليس اقتصادا حرا ولكنه اقتصاد حكومى من حيث الأساس (!)، حيث ما زالت الحكومة تمتلك السد العالى وقناة السويس والسكك الحديدية ومرافق الخدمات من كهرباء ومياه غير الكثير من المصانع الإنتاجية (!!!!!!!!)
مرحلة مبارك الثالثة: المحافظون المصريون الجدد فى لجنة السياسات يبيعون مصر
لقد كان رد الفعل المصرى عادة على دعوة مؤسسات التمويل الدولية للإصلاح الاقتصادى الذى لا يعنى من وجهة نظرهم غير المزيد من لبرلة الاقتصاد هو أنهم يتفهمون ضرورة "الإصلاح" (بما يعنى السير فى طريق مزيد من الحرية الاقتصادية) ولكنهم يراعون التوفيق بين ضرورات الإصلاح ودواعى الاستقرار السياسى، ضاربين المثل بسياسات الإصلاح الاقتصادى المتسرعة بطريقة الصدمة فى يناير عام 1977 وما رافقها من اضطراب اجتماعى كبير! ولهذا كانوا ينفذون الإصلاحات أحيانا ويرفضون أحيانا أخرى، ويوافقون فى أحيان ثالثة ولكنهم يماطلون فى التنفيذ أو ينفذون أجزاء ويتلكأون فى أجزاء أخرى، وفى كل الأحوال يستمر الاقتصاد فى الحركة تجاه مزيد من السياسات الليبرالية.
ولم يعدم الأمر ممارسة الضغوط من الحكومة الأمريكية على الحكومة المصرية من أجل مزيد من "تحرير" الاقتصاد. وكان من أهم أدوات الضغط هو الحديث عن الفساد وقصور الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان فى ظل نظام حسنى مبارك. كما كان تسريب الأخبار للصحف العالمية حول أرصدته هو وأولادة ضغطا سياسيا عليه من أجل مزيد من التنازلات. وفى الواقع كانت السياسة الأمريكية تبالغ فى امتداح مبارك وحكمته فى إدارة الدولة والأزمات فى المنطقة العربية حينما تحتاج إليه السياسة الأمريكية مثلما احتاجت إليه أثناء ما سمى بحرب تحرير الكويت أو عندما احتاجت إليه فى بعض الأوقات لممارسة الضغوط على ياسر عرفات لإبداء مرونة فى التسوية مع إسرائيل، أما حين يتباطأ فى إجراء التغيرات الاقتصادية التى تطالب بها فى ظل غياب دواع للاحتياج السياسى إليه فتنطلق موجات النقد، دون أن يغير هذا من تقديرها الاستراتيجى لأهمية مصر ونظام مبارك كمركز ثقل –مع المملكة العربية السعودية- فى المنطقة لتمرير نفوذها السياسى والاقتصادى.
ولكن طرأ تعديل هام على هذا المسار فى تلك الفترة التى نتحدث عنها: ففى عامى 1999-2000 كان هناك حديث عن اعتزام مبارك تعيين نائب له، وتردد اسما عمر سليمان رئيس المخابرات العامة والمشير حسين طنطاوى وزير الدفاع. حتى لقد بدأت حرب خفية بين الاثنين على شكل تسريبات للجرائد من كل منهما للتقليل من شأن الآخر. ولكن حول بداية الألفية الثالثة نشأ اقتراح التوريث لجمال مبارك. لقد بدا هذا التوريث ضروريا فى نظرقيادة مبارك، ليس فقط لأنه يلبى طموح الوريث الذى يرضى المورث، ولكنه أيضا الضمان لاستقرار ثروة مبارك وأولاده الضخمة حتى لا يأتى من بعده من يحاسبه عليها أو يعيدها للدولة كما فعل هو بأسرة السادات! وبالطبع لا يمكن إجراء تغيير سياسى ذو وزن مثل هذا الثوريث دون استشارة الشريك الأمريكى، وهذا ما تردد أنه قد حدث أثناء الزيارة السنوية لمبارك إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى يوليو عام 2002. وبالطبع من السهل توقع الرد الأمريكى، فهى لا تهتم حقيقة بالديمقراطية وإنما تهتم فقط بمصالحها، وبالتالى من المنطقى أن تنتهز تلك المناسبة للحديث عن مطالبها المتكررة للإصلاح الاقتصادى بحيث يمكنها أن تقبل من يساهم فى دفع عجلة الإصلاح للإسراع بعد فترة إبطاء.
عاد مبارك من الولايات المتحدة فى يوليو 2002، حاصلا على ضوء أخضر منها، لكى يشرع فى أكبر عملية تغيير فى مطبخ صنع السياسات شهدها حكمة، أعنى تلك التى جرت فى المؤتمر الثامن للحزب الوطنى الحاكم فى سبتمبر 2002 (والذى سمى بعد ذلك بالمؤتمر السنوى الأول للحزب بعد أن صار يعقد سنويا بعد هذا التاريخ). لقد شهدت فترة ذلك المؤتمر الصراع السياسى بين من سموا بالحرس القديم (يوسف والى، صفوت الشريف، كمال الشاذلى) وبين جمال مبارك ومجموعته. وساهمت المخابرات فى حرب الوريث ضد الحرس القديم الرافض لخلافته لأبيه فقد استخدمت الملفات التى تراكمها النيابة الإدارية وغيرها من الأجهزة الرقابية ضد كل المسئولين وتخرج بعضها عند وجود خلافات سياسية تستدعى لى الذراع. لقد تم إخراج قضية المبيدات المسرطنة وغيرها من المخالفات فى مجال الزراعة ليوسف عبد الرحمن الذراع اليمنى ليوسف والى، وأيضا قضايا الفضائح فى جهاز الإعلام لصفوت الشريف، وقضايا أخرى للشاذلى. وانتهى المؤتمر بإنشاء لجنة السياسات بالحزب ويرأسها جمال مبارك الذى أصبح أيضا نائبا لرئيس الحزب، وضمت تلك اللجنة كل رجال جمال مبارك وأصدقائه وشركائه من المستثمرين لكى تصبح مطبخ صنع السياسات الجديد بينما تم تنحية يوسف والى بالكامل وتقليص نفوذ كل من صفوت الشريف وكمال الشاذلى. ونلاحظ مغزى ترك كمال الشاذلى منصب أمين التنظيم فى الحزب الوطنى وما كان يتيحه له من التحكم فى المرشحين لمجلس الشعب والشورى، لصالح أحمد عز رجل جمال مبارك المقرب!
وانطلقت لجنة السياسات فى تنفيذ "الإصلاحات" ودفع عجلة الخصخصة بمنتهى القوة منذ بدايتها. وكان باكورة إنتاجها تعويم الجنية المصرى مع تخفيض قيمته 25% فى 30 يناير عام 2003 بعد أربعة أشهر فقط من تأسيسها. ونلاحظ أن التخفيض الكلى الذى جرى على قيمة الجنية المصرى خلال فترة قصيرة قد وصل إلى 60% بينما ظل قبلها ثابتا نسبيا لسنوات طويلة منذ التخفيض الذى بدأ به برنامج التثبيت فى 1991. كما تسارعت بشدة برامج الخصخصة فى ظل حكم لجنة السياسات. لقد تم بيع نصيب القطاع العام فى شركات مختلطة كثيرة كما تسارعت وتيرة بيع باقى الشركات. وانتقل الحديث بعد ذلك إلى خصخصة المرافق العامة، وهى دعوة للبنك الدولى منذ قبل ذلك بفترة، فالمكاسب التى تحصل عليها الاستثمارات الأجنبية من تملك المرافق الضرورية للشعب (الكهرباء والطرق والمياة والصرف الصحى...الخ) هى مكاسب مضمونة مادامت تلك الاحتياجات أساسية للشعب ولا يمكن الاستغناء عنها.
وقد بدأت خصخصة المرافق قبيل لجنة السياسات بتحويل هيئة كهرباء مصر إلى الشركة القابضة للكهرباء عام 2000، وبدأ طرح إنشاء شركات توليد الطاقة وإنشاء الطرق الخاصة والمطارات ومختلف المرافق بنظام BOOT (ابنِ، تملك، أدِر، ثم انقل الملكية إلى الحكومة بعد فترة الاستغلال، 20 عاما عادة). ولكن بعد إنشاء لجنة السياسات انطلق قطار الخصخصة فى اقتحام مجالات جديدة: ففى سنة 2004 تم تحويل الهيئة العامة لمياة الشرب والصرف الصحى إلى شركة قابضة (وقد سبق أن رأينا أن الشركات القابضة ككيان قانونى قد دخل مصر من باب قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 ولكنه فى حالة المرافق هنا فهو يغير من طبيعتها حيث يغير هدف المنشأة من هيئة خدمية تقدم سلعا بتكلفتها (المياة والكهرباء مثلا) إلى شركة ربحية هدفها حسب القانون "معاظمة العائد" أى شركة تهدف للربح، فضلا عن إمكانية بيعها والمشاركة عليها مثل الشركات التابعة للشركات القابضة بقطاع الأعمال العام.
ثم تم الانتقال إلى خصخصة البنوك وشركات التأمين، وتمت خصخصة بنك الإسكندرية عام 2006، وشرع فى خصخصة بنك القاهرة، ولكن المعارضة الشديدة للمجتمع المدنى من ناحية وانفجار الأزمة الاقتصادية العالمية التى بدأت بانفجار ما عرف بفقاعة الرهن العقارى فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 وما نتج عنها من كساد دفع الحكومة للتريث والتأجيل. ودخلت الخصخصة إلى مجال شركات التأمين بإنشاء شركة مصر القابضة للتأمين عام 2006 بإعادة هيكة قطاع التأمين الحكومى (شركات مصر للتأمين، الشرق للتأمين، الأهلية للتأمين، المصرية لإعادة التأمين) تمهيدا لبيع أسهمها والخصخصة فى مجالها.
وكانت آخر محطات الخصخصة هى خصخصة التعليم والصحة: ففى المنظور الرأسمالى على الطريقة الأمريكية يجب أن يكون كل احتياج إنسانى سلعة حتى لو حرم هذا من لا يملك ثمنها من الحصول عليها. ويختلف المنظور هنا بين أمريكا وأوروبا الغربية، حيث يعتبر الاقتصاديون الرأسماليون الأوروبيون كل شيئ سلعة ماعدا التعليم والصحة التى تسمى بالسلعة العامة والتى يجب أن يؤمن حق حصول المواطن عليها مجانا أو من خلال نظام تأمينى متاح لكل مواطن مهما كان دخلة. وكان التصور السائد فى مصر سابقا أقرب للنموذج الأوروبى حيث ارتبط صعود الرأسمالية سواء فى عهدها الليبرالى (الوفد) أو فى عهدها الناصرى بتوفير تلك الخدمات للشعب مجانا، وإن تميز العهد الناصرى بتوسيع نطاق تلك الخدمات بشدة. وبالطبع ارتبط هذا فى المحل الأول باحتياجات التنمية والتصنيع وتحديث البلاد سواء فى أعقاب 1919 أو فى أعقاب 1952. إلا أن ما عرف ببرنامج الإصلاح الصحى الموقع عام 1998، كذلك برامج إصلاح التعليم الجامعى وما قبل الجامعى قد ارتبطت بخصخصة تلك الخدمات بما فيها مشاريع تحويل المستشفيات إلى شركات والهيئات الخدمية إلى شركات قابضة، واضطرار المواطنين لدفع مقابل للخدمات التعليمية والصحية بشكل يجعلها غير متاحة للأغلبية. لهذا استثارت تلك المشاريع معارضات جماهيرية واسعة وحملات إعلامية بالصحف ووسائل الإعلام المختلفة ووقفات احتجاجية أمام مجلس الشعب، واستطاعت المعارضة عرقلة تلك المخططات بشكل مؤثر كما ساهمت فى استنهاض الشعب ضد تلك الحكومة
ولا ننسى بالطبع أن أول تغيير وزارى تم بعد تشكيل لجنة السياسات هو تشكيل وزارة نظيف الأولى عام 2004 ثم الثانية عام 2005 والتى استمرت حتى سقوط نظام مبارك، وهى الوزارة التى عرفت بوزارة رجال الأعمال، أعضاء لجنة السياسات وصناع القرار الجدد ورجال الوريث جمال مبارك. لقد شكلت تلك الوزارة مثلا ربما كان فريدا عالميا على الحكم المباشر للمستثمرين حيث وزير الصحة هو صاحب مستشفيات خاصة كبرى وشريك فى شركات تأمين صحى عربية، وزير السياحة صاحب شركة سياحة وهكذا.
وإذا كان الحديث قد كثر عن علاقة الخصخصة بالفساد، وتربح ممثلوا جهاز الدولة من تلك العمليات فإننا نود هنا أن نوضح نقطة حاكمة. لقد ارتبط القطاع العام الناصرى بطبقة برجوازية بيروقراطية تمتلك بشكل جماعى جهاز الدولة ويعود إليها عائد أرباحه فى صورة مرتبات ومزايا مرتفعة. ولا مجال هنا بالطبع لعرض كيف حدث هذا التطور النوعى تاريخيا، إلا أن فترة الانفتاح قد ارتبطت بميول تلك الطبقة للعودة للملكية الخاصة القابلة للتوريث والمطلقة العنان لحريتها فى الاستهلاك. وفى ظل التحولات الحادثة للاقتصاد الحربعد عام 1974، وبالذات فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وفى ظل نظام استبدادى، ظهرت نتائج تزاوج اللبرلة مع الاستبداد فى شكل استفادة القطاع من الطبقة المرتبط بجهاز الدولة من مزايا شراء القطاع العام بالبخس عن طريق الرشاوى، كما برز استخدام جهاز الدولة فى حفز التراكم الرأسمالى وضخه لطبقة القطاع الخاص، فى إطار من التزاوج بين كبار الموظفين القادمين من جهاز الدولة مع رموز الطبقة الجديدة. ويظهر تركيب لجنة السياسات بالحزب الوطنى وغلبة رجال الأعمال عليها طابع ذلك التزاوج. وعلى هذا فإن ما سمى بالفساد فى عمليات الخصخصة وفساد جهاز الدولة لم يكن مجرد الفساد المرتبط بأى نظام اجتماعى كنسبة تتواجد دائما، ولكنه كان فسادا مؤسسيا ووسيلة ضرورية لتشكيل الطبقة الجديدة بالاستيلاء على التراكم السابق إنجازه فى جهاز الدولة، وكل هذا بالطبع فى إطار دخول رأس المال العربى والعالمى مشاركا فى تملك الأصول الإنتاجية من أراضى وشركات ومصانع بتراب الفلوس.
وقد أطلق على هذا الاتجاه وهؤلاء الرجال القادمين من مجال البزنس لدفع عجلة الخصخصة بسرعة، أطلق عليه قدوم المحافظين المصريين الجدد، أعضاء لجنة السياسات، لخصخصة وبيع مصر. وربما من المفارقات الشكلية أن وصول المحافظين الجدد بسياساتهم النيوليبرالية المغرقة فى رجعيتها فى الولايات المتحدة على يد بوش وحكمهم لمدة 8 سنوات من عام 2000 إلى عام 2008 هو ما نتج عنه انفجار أزمة الرهن العقارى وإفلاس العديد من البنوك والمؤسسات الاقتصادية، بينما كان وصول المحافظين المصريين الجدد فى لجنة السياسات –بنفس السياسات النيوليبرالية- إلى الحكم لمدة 8 سنوات منذ تشكيل لجنة السياسات عام 2002 وحتى نهاية حكم مبارك هو ما ساهم فى انفجار الثورة المصرية فى 25 يناير التى يمكن اعتبارها من أحد أوجهها الرئيسية انفجارا ضد سياسات النيوليبرالية!
تصاعد الاستغلال والفساد يساوى تصاعد النقيض: نمو قوى الثورة
ولعل من أهم دلائل التحول فى المزاج الجماهيرى هو الفرق بين رد فعل الجمهور المصرى للانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1991) ورد فعله للانتفاضة الثانية (2000-2003). ففى الانتفاضة الأولى اقتصر رد الفعل المتعاطف على أعداد محدودة من المثقفين، وساد فى الشارع رأى بأن " الفلسطينيين قد باعوا أرضهم" وخلا الشارع السياسى من أى مظاهرات أو أشكال تأييد جماهيرى لتلك الانتفاضة. أما فى الانتفاضة الثانية عند تفجرها أواخر سبتمبر 2000 فقد انفجرت المظاهرات الواسعة للتضامن معها حتى شملت كل جامعات مصر ومدنا كثيرة بل والكثير جدا من المدارس الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية. وانتشر جمع التبرعات الغذائية والطبية وإرسالها إلى غزة فى قوافل تبرعات وصلت إلى 3 قوافل فى أول ستة أشهر. هل يعقل أن الشعب قد تراجع عام 2000 عن قناعته عام 1987 بأن الفلسطينيين لم يبيعوا أرضهم؟! فى الحقيقة كان لسان حال المزاج الجماهيرى فى الثمانينات يقول "رغم معاناتى من مشاكل معيشية فى بلدى فقد قررت انتهاز الفرصة المتاحة لتحسين وضعى عن طريق الحل الفردى بالسفر للعمل فى الخليج بدلا من النضال من أجل تحسين وضعى فى بلدى، فهل تتوقع منى التضامن مع نضال أشقائى الفلسطينيين لتحسين أوضاعهم فى بلادهم؟" أما فى عام 2000 فكان تصاعد معاناة المصريين مع تقلص فرص العمل فى الخليج ونقص الأجور وعودة الكثيرين للوطن مقدمة هامة لتقلص فرص الحل الفردى ونمو النقيض المتمثل فى الحل الجماعى، وبدأ تصاعد وتيرة النضال داخل مصر. ولهذا عندما أتت الانتفاضة المصرية الثانية وجدت هذا الصدى الهائل من التعاطف النضالى وظهر معدن الشعب المصرى وميوله الحقيقية.
تحددت تواريخ كثيرة كمقدمات للثورة، وفى رأيى أن الاحتجاجات الجماهيرية التى بدأت فى أواخر سنة 2003 تمثل المقدمة الحقيقية للثورة، ويستند هذا التقدير إلى عدة أسباب: فهذه الثورة كما سبق التنويه هى فى أحد جوانبها رد فعل رافض لسياسات الليبرال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مصر فى ثلاثين عاما: من مبارك إلى الثورة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات 25 يناير2011 :: منتديات حلم واحداث الوطن العربى :: قسم حقوق الانسان-
انتقل الى: