إن الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد والتي تفتقد فيها
الحد الأدنى من الأمن الغذائي بسبب تطبيق سياسة السوق الحرة في المجال الزراعي،
وما يتبعها من سياسة إنهاء العمل بنظام الدورة الزراعية، حيث تتحدد زراعة المحاصيل
ليس وفق متطلبات الحاجات الوطنية للوفاء بأقصى قدر من المحاصيل الغذائية الضرورية،
ولكن وفق عفوية السوق استنادا إلي ما يسمي المزايا النسبية، والتي جرت ترجمتها في
مصر منذ أيام "يوسف والي" إلي ما كان يسمي استراتيجية الفراولة، حيث زعم
أنه يمكن أن نحصل علي عائد من تصدير محصول الفراولة من آلاف قليلة من الأفدنة
يمكننا من استيراد كمية من القمح (أو غيره من المحاصيل) توازي محصول مئات الآلاف
من الأفدنة. وبالطبع لم تتحقق أي من تلك الأحلام الوردية، فقد فشلت الأهداف
التصديرية المذكورة، في نفس الوقت الذي تعاظم فيه اعتماد البلاد علي استيراد القسم
الأعظم من غذائها الضروري من الخارج، لاسيما القمح، وأصبحنا بذلك أكثر تعرضا
لتقلبات المناخ في العالم الخارجي أو حتى ما يحدث به من أحداث سياسية أو غير
سياسية، ومن ثم التقلبات السعرية التي تؤثر علي قدرتنا علي الاستيراد.
وكل ذلك يدفعنا إلي التحول عن هذه السياسة الضارة بحقوق
المواطنين ، إلي استراتيجية الأمن الغذائي بتوفير أقصي قدر ممكن (ليس بالضرورة كل)
من الغذاء الضروري اعتمادا إنتاجنا الزراعي المحلي، ويتطلب هذا حزمة من السياسات،
منها التوسع الأفقي في الرقعة الزراعية (ويسبقها الحفاظ علي الرقعة الزراعية
الحالية من مختلف التعديات عليها) والتوسع الرأسي بمعاظمة إنتاجية الأرض الزراعية،
والعودة إلي دورة زراعية تتوافق مع زراعة المحاصيل الضرورية والمتوافقة مع
استراتيجية الأمن الغذائي.
ولكن الحلقة المركزية في كل ذلك هو الفلاح نفسه، حيث أنه
يمثل العنصر الأهم والحاسم في تحقيق استراتيجية الأمن الغذائي، ومن هنا ينبغي
تقديم حزمة من الحوافز للفلاح:
1- الحزمة
الأولي تتعلق بالأسعار والائتمان :
-
توفير مستلزمات
الإنتاج الزراعي بأسعار رخيصة، ويمكن ذلك بعدة طرق: منها إلغاء الوسطاء التجاريين،
من تحويل الجمعيات الى نقابات لصغار المزارعين (التي ينبغي أن تتحول إلي مؤسسات ديمقراطية
وبعيدة عن السيطرة البيروقراطية) لتتمكن من توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي
والحيوانى ، وكذلك إن لزم تقديم دعم حكومي لهذه المستلزمات وتطبيقاً للمساواة بين
الفرص والدعم المتاح لرجال الاعمال والمنتجين الزراعيين .
-
رفع أسعار
المنتجات والحاصلات الزراعية الضرورية لغذاء الشعب، بصورة تعطي الفلاح دخلا مجزيا
يدفعه إلي تحسين الإنتاجية كما ونوعا. وأن تكون هذه الأسعار معادلة للأسعار
العالمة، أو حتى تزيد عنها، ولكن دون أن تؤدي إلي رفع أسعار غذاء الشعب، أي أن
تتحمل الدولة فوارق الأسعار. وهذه السياسة المعمول بها في العديد من البلدان بما في ذلك البلدان الرأسمالية المتقدمة وتقديم
المحتكرين والفاسدين بقطاعات البذور والاسمدة والمبيدات والمحاصيل الزراعية
للمحاكمات لمواجهة فوضى وتوحش الاسواق .
-
الافراج عن كل
الفلاحين المحبوسين بسبب تعثرهم فى سداد ديون بنك التنمية والائتمان الزراعى واسقاط كل الاحكام الصادرة فى هذا الشأن واسقاط
ديون الفلاحين حتى 25/1/2011 ممن يقل اصل دينهم عن 100 الف جنيه وتقليل الفوائد
على القروض الزراعية الجديدة بحيث لا يزيد على 2% عبر تقديم وتسهيل الائتمان
الرخيص بأسعار فائدة مدعمة من خلال نقابات الفلاحين الجديدة وهو ما ينبغي أن يمنح
للمحاصيل الغذائية بشكل خاص، ويمكن تدعيم ذلك باعادة الاموال التى استولى عليها
بنك التنمية من التعاونيات لنقابات صغار المزارعين لتمكينها من دعم قطاع الزراعة
وتنمية الريف وتحسين نوعية حياة الفلاحين .
2
– الحزمة الثانية المتعلقة بحيازة الأرض والسياسة الضريبية:
- تعديل قانون التعاون الزراعى
بحيث يسمح للفلاحين بتشكيل روابطهم وجمعياتهم ونقابتهم بحرية واستقلالية عن اجهزة
الدولة وتسليم النقابات الزراعية مقرات ومخازن الجمعيات مع رفع وصاية وتداخلات
وزارة الزراعة على عمل الجمعيات القائمة لتمكينهم من تنمية الريف .
-
حفز المستأجرين بوضع حد أدني لمدة إيجار الأرض الزراعية تصل إلي خمس سنوات، مما يحفز الفلاح علي إدخال
تحسينات في الأرض والعناية بها، مما يرفع كفاءة الأرض ويعزز من إنتاجيتها. ويتطلب
ذلك تسجيل حيازة الأرض باسم زارعها وليس باسم مالكها، وذلك من أجل محاصرة
السوق السوداء في إيجارات الأراضي التي تنشأ من زيادة الطلب علي الأرض الزراعية مع
تحديد قيمة ايجارية عادلة تحفز للمستأجرين لانتاج المحاصيل والغذاء .
-
وضع سقف
للإيجارات الزراعية يجري تحريكه سنويا مع معدلات التضخم وذلك تحت إشراف وزارة
الزراعية، وبالتوافق مع الجمعيات الزراعية في كل قرية على ان توفر الدولة لصغار
الملاك الغائبين الذين يؤجرون اراضيهم فروق قيمة ايجارات لضمان العدالة لطرفى
العقد .
-
إعفاء ملاك 3
أفدنة فأقل من ضريبة الأطيان وفق ما ينص عليه القانون 51 لسنة 1973 ، ومن شأن ذلك
أن يساهم في حفز الفلاح علي تحسين الأرض ورفع كفاءتها وإنتاجيتها، مع العلم بأن
الملاك الصغار يشكلون ما يقرب من ثلثي صغار الحائزين، ومن ثم فمثل هذا الإجراء سوف
يكون له أثر واسع النطاق علي الإنتاج الزراعي وسياسة الأمن الغذائي بصورة عامة.
-
تمليك اراضى
الدولة ( اصلاح- اوقاف- املاك) التى يزرعها صغار الفلاحين واراضى العزب التى يسكنها
المواطنين فى الريف لواضعى اليد مع اعطاء الاولوية للمستأجرين الذين طردوا من
اراضيهم عام 97 بسبب تطبيق القانون 96 لـ92 ودعم حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية
لتمكينهم من العيش الكريم .
-
دعم انشاء
نقابات زراعية للعمال الزراعيين بكل قرية ونقابات لصغار المزارعين على ان يتم
تشكيل نقابات عامة لكل قطاع وذلك عبر تعديل قانون التعاونيات والنقابات بحيث
يتلائم مع اوضاع الفلاحين والريف ويسمح بالنقد والتفانى ويعطى لنقابة القرية كل
الصلاحيات للدفاع عن مصالح وحقوق المزارعين .
إن هذه الحوافز العملية
تؤدي إلي فائدة مزدوجة، حيث تمثل خطوة ضرورية علي طريق تحسين أحوال صغار الفلاحين
وفي نفس الوقت تحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري.
ان حقوق ومطالب صغار المزارعين فى مصر كثيرة
وتحتاج لرؤى سياسية بديلة لتلبية تلك الاحتياجات لكننا نعتقد ان تطبيق هذه
الاجراءات هو بداية لتحقيق الامن الغذائى وامان الزراعة وحقوق صغار المزارعين